عُقِدَ في 24 و 25 من الشهر الجاري ما يسمى اجتماع آستانة حول سوريا، بين كل من دولة الاحتلال التركي وروسيا والنظام السوري وإيران، لكن ما كان مطروحاً للإعلام للنقاش حوله في هذا الاجتماع ربما لم يتطرق له المجتمعون قط، فقد تميز هذا الاجتماع ومنذ انطلاقته الأولى، بتسليم مناطق ما تسمى بالمعارضة المسلحة للنظام، وانسحاب المسلحين منها، بعد أن جندتهم تركيا لصالحها. من خلال تلك الباصات الخضراء التي اشتهرت في تلك الأونة. ولكن هذا الاجتماع كان بمثابة دق المسمار الأخير في نعش المعارضة، فقد قالها أكثر من مسؤول تركي وعلى أكثر من منبر بأن تركيا تعمل على عقد مصالحة بين ما سمتها بالمعارضة وبين النظام في دمشق، على حساب الدم السوري، غير آبهة بالمآسي التي مر به هذا الشعب.
تحاول كل من إيران وتركيا والحكومة السورية إلى جانبها روسيالضرب الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، وليتسنى لها ذلك تحاول اللعب على وتر الطائفية وتعدد المكونات وخاصة في ديرالزور.
فحاولت الحكومة السورية وإيران خلق توترات وخلافات بين قوات سوريا الديمقراطية والعشائر العربية في دير الزور، بالتزامن مع تحريض تركيا وإعلامها ضد قسد وشنها لهجمات برية عبر فصائلها على قوات سوريا الديمقراطية باسم العرب السنة الذين يتعرضون للتمييز على يد تركيا نفسها والتي تدعم الفصائل التركمانية وتسعى لتصفية الفصائل العربية السنية رغم أنها تابعة لها.
يطمع الأطراف الأربعة بمدينة دير الزور لأهميتها من حيث الموقع، حيث تقع مدينة دير الزور شرق البلاد ويمر فيها نهر الفرات من المدن الاستراتيجية، والتي تضم حقولا للنفط، ناهيك عن قربها من الحدود مع العراق.
كما وتتمتع إيران بنفوذ عسكري في سوريا التي دخلتها من بوابة دعم النظام منذ بداية الحرب، حيث تعزز نفوذها تدريجيا تحت ذريعة دعم نظام، بشار الأسد، بنشر سيطرتها ونفوذها من خلال مجموعات مسلحة موالية لها من جنسيات عدة.
وتسيطر قوات الحكومة السورية على الضفة الغربية لنهر الفرات في دير الزور، وينتشر فيها آلاف المقاتلين من المجموعات المسلحة الإيرانية، وتحديدا المنطقة الممتدة بين مدينتي البوكمال الحدودية مع العراق ودير الزور مرورا بالميادين.
بينما تسيطر قوات سوريا الديمقراطية على الضفة الشرقية للفرات التي انتزعتها إثر معارك عنيفة مع “داعش،” انتهت في 2019، وتتواجد قوات التحالف الدولي، وأبرزها القوات الأميركية، في المنطقة، وخصوصاً في قاعدة في حقل العمر النفطي، وحقل كونيكو للغاز.
بدأت الأحداث في دير الزور في آب العام الماضي عندما أطلقت قوات سوريا الديمقراطية حملة تعزيز الأمن وملاحقة بعض المطلوبين للعدالة، كمروّجي وتجار المخدرات وبعض الخلايا التابعة لتنظيم “داعش” الإرهابي، ومن ضمنها كان اعتقال قائد مجلس دير الزور العسكري المدعو أحمد الخبيل، أبو خولة ضمن الأطر القانونية مما أدى إلى استغلال بعض العملاء لهذا الحدث واستثماره في تنفيذ بعض الأجندات المرتبطة بأهداف السلطة في دمشق وحلفائها ومنها العمل على إشاعة المهمة التي تقوم بها قوات سوريا الديمقراطية، بأنها حملة ضد العشائر العربية في المنطقة، خصوصا مع تسلل عناصر تابعة لـ “الدفاع الوطني” ومن الجماعات المسلحة لزيادة التوتر وتعبئة أبناء القبائل في المدينة واستخدمت القوى المتآمرة تجييش الإعلام بصورة غير مسبوقة وقادت حملة شرسة للتحريض على قوات سوريا الديمقراطية، من خلال التركيز على أن ما يجري في منطقة دير الزور من اقتتال هو بين العشائر العربية وقوات سوريا الديمقراطية، وهذا ما دحضه موقف شيوخ وأبناء العشائر والقبائل في ديرالزور.
كان التحريض ضد قوات سوريا الديمقراطية واضحا وصريحا من بعض الشخصيات التي برزت في الأحداث الحاصلة في دير الزور كـ نواف البشير، شيخ قبيلة البقارة سابقا والمنضوي تحت إمرة أجهزة السلطة الأمنية، والذي يدين بالولاء لإيران التي تعمل على نخر وإفساد المجتمعات وضرب هويتها، حيث ظهر من خلال عدة مقاطع مصوّرة وهو يحرض أبناء قبيلته وباقي القبائل على الانضمام لبعض المنفلتين أمنيا ومساندتهم في مقاتلة الكرد.
وقد برز صوته بكثرة لخلق الفِتن والعمل على تأجيج الانفلات، وهذا ما بان بشكل واضح وجلي عبر إرساله عناصر تابعة له، عملت على تخريب وضرب البُنى التحتية في المناطق الساخنة لإيهام أبناء المنطقة بأن قوات سوريا الديمقراطية هي من فعلت ذلك، وقد استغرب الشيخ فواز الزوبع الملحم، رئيس مجلس قبيلة الجبور، هذه الممارسات وخروج مثل هذه التصريحات المعيبة والمخجلة، فهذا منافي لعادات وقيم وأخلاق أبناء القبائل العربية فكيف له أن يخرج ويحرض ضد إخوتنا الكرد، فنحن في خندق واحد ويجب عليه أن يعلم بأن العرب والكرد أخوة يجمعهم تاريخ عتيق لا يفرّقه شخص كنواف البشير وغيره.
لكن باءت كل هذه المحاولات بالفشل بفضل تعالي الأصوات العشائرية والشعبية لردع هذه الخطط، فالشعب في شمال وشرق سوريا بات واعياً لكل مخططات تركيا وحلفائها الاحتلالية الساعية لضرب أمن وسلام شمال وشرق سوريا.