أخبار عاجلة

“مركدة: بلدة تروي قصة تعايش الأجيال وتطور العادات العشائرية على مر السنين”

تضم بلدة مركدة نسيجاً مختلفاً من عشائر الحسكة ودير الزور متعايشين منذ مئات السنين, تجمع بينهم علاقات اجتماعية وعادات عشائرية مشتركة, حيث يسكن البلدة التي تبلغ مساحتها قرابة 300 هكتار, عرب من قبائل العكيدات والجبور والمشاهدة.

البلدة تبعد 105كم عن مدينة الحسكة، و80 كم عن مدينة دير الزور، أُطلق عليها اسم مركدة نسبة إلى “الرقود” وهو المكان الذي يوجد فيه المراقد أو مزارات الأرمن الذين تم قتلهم من قبل العثمانيين خلال مجازر العثمانيين التي ارتكبوها بحقهم عام 1915.

ويضم جبل “حمة ماكسين” رفات العشرات من الأرمن الذين حاصرتهم الدولة العثمانية عام 1915، وارتكبت بحقهم أشنع مجزرة في التاريخ المعاصر, ومنها نالت البلدة نصيبها من الاسم، نسبة “لرقود” الأرمن في ذلك الجبل.

في العام 1915 هاجمت الدولة العثمانية في أواخر حكمها مجموعات من الأرمن بعد هروبهم من ظلمها وجورها باتجاه المناطق الشرقية في سوريا, حيث تمت ملاحقتهم وإلقاء القبض عليهم في عدة مناطق كان أبرزها “خفسة الأرمن” في الجبسة بريف الشدادي ودير الزور وجبل مركدة الذي يعدّ شاهداً حياً على تلك المجازر.

وعلى الرغم من الدمار الكبير الذي لحق به ظل الجبل شاهداً على مجزرة العثمانيين بحق الأرمن، ويوجد فيه ضريح رمزي في أحد المواقع التي شهدت عملية تصفية للأرمن أثناء نقلهم من جنوب تركيا إلى دير الزور.

أهالي المنطقة يشيرون إلى أن رفات المئات من جثث الأرمن لا تزال مدفونة على كتف الجبل، كما ينوهون إلى أن أبناء المنطقة في ذلك الوقت أخفوا قسماً من أطفال ونساء الأرمن المطاردين في منازلهم على أنهم من العرب، ليسلموا من تلك المجزرة، وهم اليوم معروفين من قبل العشائر أنهم أرمن ناجون من بطش العثمانيين.

وذكر الأهالي، أن الدولة الأرمنية بنت كنيسة الأرمن على كتف جبل مركدة بالقرب من قبور أسلافهم, ليتم زيارتها كل عام في يوم محدد من السنة وأداء الصلوات لهم، وكان يزور الكنيسة زوار من كافة أنحاء العالم سنويا, حتى بدأت الأزمة السورية.

ولفتوا أنه ولتقديم الشكر لأهالي المنطقة الذين حموا الأرمنيين تم بناء مشفى “شهداء الأرمن” في مركدة من قبل الحكومة الأرمنية كعربون وفاء لأهالي المنطقة على حفظهم قبور شهدائهم والناجين من المجزرة.

ونوه الأهالي إلى أنه بعد اندلاع الأزمة في سوريا، وسيطرة داعش على البلدة وبقوة السلاح أكملوا ما بدأه العثمانيون بتفخيخ الكنيسة وتفجيرها, حيث رقدت الكنيسة فوق قبور الأرمنيين ولم يبقَ منها سوى الركام الذي عانق بقايا عظامهم.

وكانت البلدة قد شهدت معارك عنيفة بين مسلحي المعارضة السورية المسلحة وقوات النظام أدت إلى خسارة الأخيرة وتراجعها إلى مدينة الحسكة، ثم سيطرت على المدينة مرتزقة داعش، التي مارست في فترة سيطرتها عليها أفظع أنواع الجرائم والتضييق على الأهالي إلى أن تمكنت قوات سوريا الديمقراطية من دحر المرتزقة وتحرير البلدة في شهر تشرين الثاني من عام 2017 بعد معارك عنيفة خاضتها هناك.

تاريخيا؛ سُكنت مركدة قبل آلاف السنين من قبل الآشوريين، ومن ثم استقر فيها الآراميون وهم من أطلقوا عليها اسم ماكسين والتي تعني بلغتهم “بيت الضرائب”، حيث كان جبل الحمة بمحاذاة نهر الخابور ويفصل بينهما ممر ضيق، وكانوا يفرضون الضريبة على كل القوافل المارة، مما أكسبها أهمية كبيرة في ذلك الزمان.