رغم احتلال الدولة التركية لمناطق عديدة في الشمال السوري وتهجير عشرات الآلاف من السكان الأصليين الذين باتوا يعيشون في العديد من المخيمات ومراكز الإيواء المتناثرة في مناطق شمال وشرق سوريا, إلا أن العديد من هؤلاء المهجرين خاضوا قصص نجاح في أماكن تهجيرها بمدينة الحسكة على وجه الخصوص, حيث أطلقوا مشاريعهم الخاصة؛ التي نهضت بواقعهم ورفدت مجتمعهم المضيف.
من الأمثلة على هذه القصص؛ مشروع فرن تحت اسم “تنور عشتار” لخبز الصاج؛ تعمل فيه عدد من نساء مخيم واشو كاني قرب بلدة التوينة التابعة لمقاطعة الحسكة, تم إطلاقه بداية العام الحالي 2023.
فضة العبيد وحسينة العلي من العاملات النازحات في المشروع؛ تؤكدن أنه أفادهن في تحسين واقعهن المعيشي؛ منوهات إلى أنهن يرفضن أن يكن عالة على أسرهن ومجتمعهن.
العاملتان عبرتا عن سعادتهما بهذا العمل وخاصةً بعد تلقيهما التشجيع والدعم من قبل النساء والأهالي؛ وقلن: “بعد عملنا في الفرن تعرفنا على الكثير من النساء اللواتي أصبحن زبائن الفرن ونتلقى منهن الدعم والتشجيع على العمل، كما أن نساء أخريات تبحثن عن عمل مماثل، ومن خلال عملنا استطعنا مساعدة عائلاتنا وتحسنت ظروفنا المعيشية خاصة أننا نازحات لا نملك شيء”.
أما المهجر مصطفى زهير فلم ينتظر طويلاً حتى أطلق مشروعه التجاري الخاص وافتتح مقهى في (حي المفتي), فعلى غرار العديد من مهجري رأس العين، افتتح مصطفى مشروعاً تجارياً صغيراً لتحسين وضعه المادي وتوفير مكان لالتقاء نازحي مدينته في الحسكة.
يقول زهير، إن المرء هو من يصنع النجاح أو الفشل وليست الظروف وحدها تتحكّم بما تؤول إليه أحواله, قائلا: “أتى المشروع عندما بدأت بالتفكير بخلق فرصة عمل إضافية أكسب من ورائها ويستفيد منها غيري أيضاً من خلال العمل فيه، كما أن إيجاد مكان يجتمع فيه أهالي رأس العين كان من أهداف المشروع.”
قبل افتتاح مشروعه الجديد، واجه زهير صعوبات كثيرة مثل العثور على حرفيين لتمديد شبكات الكهرباء وكذلك ورش التمديدات الصحية والدهان وغيرها، باعتباره لا يملك علاقات كثيرة في الحسكة, يقول زهير إن هذه الصعوبات دفعته “للتواصل مع أبناء مدينته من النازحين كي يطلب مساعدتهم لإنجاز بعض الأعمال الأساسية اللازمة قبل افتتاح المقهى، ناهيك عن توفير فرص عمل لآخرين في المشروع نفسه.”
أما المثال الثالث لقصص نجاح المهجرين؛ فتتمثل بالطبيب خالد درويش؛ وهو من أبناء قرى زركان بريف رأس العين؛ ومختص بالأمراض الداخلية.
خالد درويش؛ افتتح, بعد نزوحه من رأس العين إثر احتلالها, عيادة في حي الناصرة بمدينة الحسكة, إلا أن اللافت أن الطبيب درويش رفض منذ افتتاح عيادته رفع أسعار المعاينات التي يجريها لمرضاه؛ حيث لا تتجاوز معاينته اليوم 10 آلاف ليرة سوريا.
خالد درويش يؤكد في هذا الباب: “تجاوزت جشع الأطباء الذي رأيته في المدينة, لأن مهنة الطب مهنة إنسانية قبل كل شيء”, فيما يؤكد العديد من مرتادي عيادته من الفقراء أنه يرفض أحيانا أخذ معاينة من المعدمين, بل ويزودهم بالأدوية من جيبه الخاص.
واليوم يطلق على الطبيب خالد درويش لقب “طبيب الفقراء” داخل مدينة الحسكة وفي النواحي التابعة لها؛ لأنه أثبت بما لا يدع مجالا للشك, أن الطب أبعد مهنة عن التجارة والاستغلال.