الاجتماع الرباعي الذي عقد بين كل من سوريا وموسكو وطهران وتركيا بالعاصمة الروسية موسكو، في العاشر من أيار الجاري، كان خطوة ليست الأولى لمحاولات تطبيع العلاقات بين الحكومة السورية وتركيا بوساطة روسية بعد التظاهر بقطيعة دامت لأكثر من أحد عشر عاماً.
وعلى الرغم من التصريحات السورية برفضها حضور الاجتماع الرباعي باشتراط حصولها على ضمان خروج الاحتلال التركي من كافة الأراضي السورية، إلا أنها تواجدت في الاجتماع دون ذلك، علاوة على تأكيد تركيا أنها باقية في الأراضي السورية.
موقف الحكومة السورية هذا أكد على أن تصريحاتها بشأن إصرارها على خروج الاحتلال التركي من الأراضي السورية لا تتجاوز الإدعاءات الإعلامية، وعلى العكس فقد قدمت دمشق تنازلات لتركيا ضمن مخرجات اجتماع موسكو إذ وافقت على بقائها محتلة في المناطق السورية، في حين تنخرط أنقرة في إخراج القوات الأمريكية من شمال وشرقي سوريا.
ومن ضمن مخرجات الاجتماع الرباعي بين تركيا والحكومة السورية وإيران وروسيا تضمّن إنشاء غرفة عمليات أمنية مشتركة تهدف لرصد تحركات القوات الأمريكية وقوات سوريا الديمقراطية في مناطق شمال وشرق سوريا وجمع وتبادل المعلومات وتحديد الأماكن والمواقع العسكرية للقوات الأمريكية وقوات سوريا الديمقراطية، والمراكز الخدمية للإدارة الذاتية والقيام بتنفيذ غارات جوية من قبل الطائرات الإيرانية والتركية المسيّرة بالإضافة إلى استهداف دوريات تابعة للقوات الأمريكية وقسد والنقاط العسكرية من قبل خلايا مرتبطة بتركيا وروسيا والحكومة السورية وإيران عبر تشكيل مجموعات مسلحة تابعة لهم وتقديم كافة أنواع الدعم لهم.
ووفقًا للمعلومات فإنَّ الأطراف الأربعة اتفقت على تحويل مطار القامشلي في شمال وشرق سوريا إلى مركز للتنسيق وتبادل المعلومات حول الأهداف والخطط التي سيتم اتباعها فيما يخص ملف رصد تحركات القوات الأمريكية وقسد.
ومؤخرًا اتفق دول محور موسكو على نقل عناصر من الاستخبارات التركية إلى المربعات الأمنيّة التابعة للحكومة السورية في القامشلي والحسكة وبهدف تسهيل عملية تحركهم دون وجود عوائق تم تأمين هويات سورية لهؤلاء العناصر.
على وقع التحركات الإيرانية والسورية والاتفاق مع دول محور موسكو في محاربة الوجود الأمريكي في شمال وشرق سوريا فإن إمكانية شن القوات الأمريكية ضربات جوية لقوات الحكومة السورية وخصوصًا المجموعات الموالية لها من الممكن أن تبدأ في أي لحظة على غرار ما حصل بين الأمريكان والإيرانيين من تصعيد خلال الأشهر الفائتة وخاصةً في دير الزور ومن المتوقع أن يشارك الطيران الإسرائيلي في هذه الهجمات، خاصةً مع تصاعد لهجة التهديد بين الجانبين الإسرائيلي والإيراني، والذي بلغ ذروته بتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن بلاده ستفاجئ إيران دومًا، وسوف تفاجئ كل أعدائها.
ولا تخفي إيران مشروعها الرامي لإخراج القوات الأمريكية من المنطقة في استكمال للانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط الكبير.
ومن وجهة نظر إيران، فإنه يشكل الوجود الأمريكي في شمال وشرقي سوريا خطرًا كبيرًا على المشروع الإيراني في المنطقة، حيث يعيق الانتشار الأمريكي في شرق دير الزور والتنف السيطرة المطلقة للمجموعات الإيرانية على كامل الحدود العراقية السورية، علاوة على حرمان المجموعات من موارد النفط والغاز في هذه البقعة الغنية.
وتسعى إيران إلى إقامة “ممرّ أرضي” في وسط الشرق الأوسط – أيّ من إيران مرورًا بالعراق وسوريا ووصولاً إلى البحر الأبيض المتوسّط – مع يد واحدة تواجه إسرائيل في جنوب سوريا ويد أخرى تمتدّ نحو مناطق الخليج المأهولة بالسّكان الشّيعة. ويعتبر هذا الممر وسيلة نحو إقامة منطقة متاخمة للنفوذ الإيراني المباشر في بلاد ما بين النّهرين والشّام.
وتعتبر إسرائيل أن جميع هذه التحركات تشكل تهديدًا استراتيجيًا كبيرًا طويل الأجل، وإذا ما تحققت، لن تحوّل سوريا إلى محمية إيرانية فحسب، بل ستؤدي أيضًا إلى ترسيخ جذور إيران – التي تعهّد نظامها بتدمير إسرائيل – في بلد مجاور، مما يمكّنها من تحويل سوريا إلى جبهة عسكرية ضد إسرائيل، ويزيد من الاحتكاكات المباشرة بين إيران وإسرائيل.