ما ظهرت في سري كانيه (رأس العين) وكري سبي (تل أبيض) بعد حوالي عشرة أيام من الهجوم التركي بكافة صنوف الأسلحة حقيقة لم يكن عادياً؛ لم تكن تلك المقاومة حدثاً عابراً، بل ساهمت تلك المقاومة التي لا تزال مستمرة وبإرادة قوية في عموم مناطق شمال وشرق سوريا في تحديد ملامح جديدة في المنطقة، وكذلك جعلت الروح التي وقفت بإصرار أمام فاشية دولة كبيرة كتركيا ومعها المرتزقة المأجورين الكثير من الأمور في منحىً معاكس مما كان مخططاً له.
نعلم جميعاً بأن الهجمات لم تتوقف لحظة على شعبنا ومناطقنا على مدار السنوات التي مضت؛ وفي كل مرحلة كانت مختلفة من حيث الطريقة. لكن؛ كانت جميعها – الهجمات- ذات هدف واحد؛ وذات توجه واحد ألا وهو في الشكل الرئيسي كان ولا زال النيل من الإرادة الشعبية التي دمرّت كل الأشكال المصادرة لها بحيث باتت اليوم حالة عملية وواقعاً موجوداً يصعب التغلب عليه وصعب النيل منه.
في كل مرحلة من المراحل التي تم الحديث عنها وأمام كل الهجمات كانت المقاومة موجودة، فمع تطور المخططات والمشاريع المناهضة لإرادة شعبنا كانت المقاومة تتصاعد وتتطور في المستوى ذاته؛ إلى أن وصلت لمرحلة باتت المقاومة هي الأقوى.
في سري كانيه/ رأس العين انتصرت المقاومة في عام 2012 على من أراد النيل منها واتخذها بوابة لتدمير باقي المناطق، وفي 2019 وأمام الفشل في عموم مناطق شمال وشرق سوريا تم تكرار الهجمات وكأنها البداية مرة أخرى على سري كانيه/ رأس العين، وكري سبي/ تل أبيض. لكن؛ هذه المرة من أجل القضاء على الإرادة الموجودة؛ آنذاك كانوا يريدون منع بناء إرادة شعبنا واليوم يحاولون بعد فشلهم في المنع القضاء عليها.
كما كانت المقاومة الأولى قوية؛ فإن الثانية مستمدة منها ومن جميع المقاومات التي ظهرت، في كوباني، عفرين، الجزيرة وغيرها. اليوم مقاومة “الكرامة” تفرض على الكثيرين إعادة النظر في مخططاتهم واتفاقاتهم، هذه المقاومة خلطت الأوراق ودفعت لأول مرة في تاريخ الأزمة السورية إلى اتصالات مكثفة بين كل من هو معني بالملف السوري، هذه المقاومة أيقظت أوروبا ونبهتها إلى الخطر الكبير لمخططات الدولة التركية الفاشية ومرتزقتها. مقاومة “الكرامة”؛ أكدت على دعم الدولة التركية الاستعمارية لداعش وأثبتت تستر أعضاؤها تحت مسميات مختلفة اليوم. مقاومة “الكرامة” خلقت ضجة في أروقة الوزارات والمراكز الدولية وظهرت آراء وأصوات معارضة من داخل بعض الدول على أداء ومواقف دولهم من الهجمات التركية، مقاومة” الكرامة” أعطت دروساً أخلاقية بحيث باتت مرجعاً لتقييم الكثير من المواقف التي أدارت ظهرها لشعبنا وتم نعتهم من قبل أبناء جلدتهم بالتقصير والتخاذل.
من سري كانيه/ رأس العين بدأت ومنها ستكون ملامح المرحلة القادمة وشكل التوافق والاتفاق دولياً وسورياً بكل تأكيد مع وجود إرادة شعبنا، إرادة المقاومة في كل الساحات وجميع النقاشات مع الإصرار الدائم على إخراج الدولة التركية الاستعمارية ومرتزقتها، حيث لا مكان لهم بين شعب ماض نحو الديمقراطية والعيش المشترك ومقاوم للتطرف والمتطرفين.