مألات ليبيا في الذكرى الثانية للغزو التركي على عفرين

سيهانوك ديبو

تعتبر إدلب السورية اللحظة تركيّة أكثر. لكنها لم يكن لها أن تبدو كذلك لو لم تحتل تركيا عفرين في 18 مارس آذار 2018، وكان بسبب عشرات الأسباب محلية وطنية منها ومنها الأمنية الإقليمية كي تكون دعاوي إضافية مفشِّلة لعملية غزو تركيا الأردوغانية لعفرين التي تصادف اليوم ذكرى سنتها الثانية، وتحديداً في تاريخ 20 يناير كانون الثاني الحالي. كنا كشعوب في سوريا والمنطقة أن لم نُمِرر بكل هذه المشاهد الدموية والقتل والعنف الصائر بحقنا. كما أن قوى سوريا الوطنية بأن تكون المكلّفة بعملية تحرير إدلب من جبهة النصرة وحراس الدين والتركستاني وجماعات مسلحة تُدار بأدق تفاصيلها من قبل الاستخبارات التركية بدلاً مما يصير اللحظة. كما أنه بالتأكيد لم يكن بمستطاع تركيا العثمانية الأردوغانية أن تتمادى في غيّها وبلطجتها وتعديّها على مقدرات شعوب وحكومات هذه البلدان التي تبدو في وضع كمن يخسر مقدراته وثرواته المائية والنفطية والغاز والطاقة وحسب إنما منتهكة فيها السيادات البرية والجوية والمائية. وما يحدث في ليبيا اللحظة مثال صارخ على ذلك.

يمكن اعتبار مؤتمر برلين الليبي الذي عقد قبل يومين بالصفحة الأولى من كتاب التدويل الليبي وفق الطريقة نفسها التي أذُنَت تشكل كتب أو مجلدات التدويل السوري في بؤسها عامها التاسع على التوالي. كما أنه –أقلّه-من باب التصالح عدم اعتبار العام 2020 بعام الحل الذي يتعرض فيه الشرق الأوسط لتحديات ومخاطر متعددة؛ أقلّها التغيير الديموغرافي. هذه ليست سنة الحل كما هو الظن السائد، وما نشهده من مؤتمرات في الغرب والشرق إنما لتنظيم أو (نوظمة) العنف وبالتالي إيجاد أشكال مبتدعة لإدارة الصراع العالمي الإقليمي على مصادر الطاقة في الشرق الأوسط؛ مهما تكن فيها النتائج قاتمة على مصائر شعوبه. بخاصة أن كل الدول والبلدان التي تتشارك أو تتنطع بإيجاد حل أزمة ما في الشرق الأوسط كما في الملفين الليبي والسوري إنما تعاني بالأساس من أزمة بنيوية متعلقة بدورها في شكل هذه الدول، وفي شكل أنظمتها السياسية، وبطبيعة العلاقات الناجمة ما بينها وشعوبها وفي الوقت نفسه ما بينها والدول المجاورة أو في إقليمنا الشرق أوسطي كما في العالم. بالرغم من ذلك نجد بأن أغلبية الدول التي شاركت في مؤتمر برلين قطعت أشواطاً مهمة في النهوضين الاقتصادي والاجتماعي مستثنى من ذلك تركيا الأردوغانية التي تعاني انحدارات متنوعة لا يبدو إيقافه سهلاً بخاصة في المنحى الاقتصادي. ليبدو السؤال الكبير: كيف لدولة غير طبيعية مثل تركيا؛ وهي التي تظهر نفسها بنفسها أنها أسّ الأزمات بالأساس في المنطقة والعالم حتى تكون طرفاً في الحل؟ أساس المشكلة أو أس الأزمات لا يمكن أن يكون طرفاً في صناعة حلً ما أو بالمهيء لها. في أن يقول أردوغان بأن تركيا باقية وتتمدد في سوريا وأنها في سوريا لنصرة المظلومين!! كلام مضلل لا معنى له سوى أنه يحرص في استخدام منهجية داعش ويحرص أن لا يغادر هو وداعش أية ساحة كان يحتلها.

المفارقة في برلين الليبية لا تكمن بأن أحداً ما توقع استجلاب الحل الليبي؛ لكن عدم توقيع قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر على ما صدر في موسكو ولاحقاً متصلاً بها في برلين لم ينظر إليه كمعرقل تنفيذي؛ إنما بدا الأمر سيّان. وبالأوضح؛ كأنه طريق مفروض على الجميع، يتم سلكه كما الذي حصل في سوريا. سوى أن الذي تلمّس منه بشكل مباشر في أن أربع فرق باتت تحيط ليبيا اليوم. الاتحاد الأوربي إلى جانب مصر والإمارات والسعودية وعدداً من البلدان العربية في محاولة منها عدم السيطرة على ليبيا من قبل الفريق الذي يضم تركيا وروسيا المتحالفتين أصلاً في سوريا إلى جانبهما إيران والتي تتوقع أن تعلن انضمامها إليهما لولا أزمات أربعة تغوص فيها إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن؛ يضاف إليها الأزمة في إيران نفسها. فريقان في تناقض؛ بينهما فريق الوسط الجزائري والإيطالي وبشكل أقل منهما تونس؛ تحرصان وفق العقود النفطية المبرمة بينهما وما تسمى بحكومة الوفاق بأن يبقى الوفاق؛ لكن ربما ليس بالشكل الذي تريده تركيا. إلى جانب الفرق الثلاثة واشنطن التي يوصف موقفها بالضبابي، أو لا تمتلك رؤية حاسمة –كما في سوريا-لحل الأزمة الليبية، سوى أن الأنسب هو التفكير بأن واشنطن يحلو لها أكثر التفرج على الصراع وأنها تتوقع الصدام حتى تعلن موقفها الأخير. من الخطأ القول فقط بأن واشنطن تهمها إيران وحدها. فالمنطقة باتت أو تنحو أن تبدو كتلة متكتلة من الصراعات حتى أوان فرض الحل الكلي على الجميع. هذا الذي حدث في الحرب العالمية الأولى والثانية. فما هو المختلف عنهما في الحرب العالمية الثالثة التي نعيشها اللحظة –بالرغم من التحكم الشديد كي تكون منضبطة؟ لكن أغلب الظن ستأتي لحظة الانفجار التي لم يعد فيها بمستطاع أحد التحكم بها لتمنع الصدام.

أول درس يجب أن تقرأه ليبيا من سوريا مفاده أن أي عملية حوار أو تفاوض لا يمكن أن تحدث دون وجود وتوفر البيئة المحايدة والآمنة. كيف لتركيا الأردوغانية أن تهيئ أو أن تكون جزء من هذه البيئة وهي ترى في ليبيا أرضها؟ وتتدعي بأن من يسكنها أو نسبة كبيرة منهم عثمانيين؟ وأن تبرم مع حكومة غير شرعية اتفاقيتين تمس بأمن المنطقة كلها؟ حتى لو كانت حكومة شرعية فإن الجهة المخولة بإقرارها وقرارها هو البرلمان، طبعاً اتفاقية الصخيرات بالرغم من الزعم بأهميتها في وقتها لكنها اليوم لم تعد موجودة إنْ في غالبية أعضاء مجلسها الرئاسي أو في تبدل مواقف البلدان التي رعتها وضمنتها باستثناء تركيا طبعاً.

أول ما يجب أن تحرص عليه حكومات وشعوب المنطقة حتى لا تكون أمورها متروكة لغيرها كما في نتائج الحربين العالميتين المقضيتين، وكي تعدّل هذا المنوال القسري إلى أن تكون بالمتساعدة مع بعضها البعض (شرقاً وغرباً وشرق متوسط وأوسط) مفاده الالتفات إلى الكتلة التاريخية في شمال سوريا التي أنجزت وأسست الإدارة الذاتية ونحن في ذكرى تأسيسها السادس (عشيّة جنيف الثانية 22 يناير كانون الثاني 2014)؛ هذه الكتلة بحكم الجغرافية وبحكم مستقبل التاريخ باتت خط المجابهة الأولي بالضد من المشروع السياسوي العثماني الجديد؛ وفي الوقت نفسه بالمعرقل لأي مشروع على شاكلته وإن كان مختلفاً معه بالشكل الظاهري، من المفترض ومن الواجب الأخلاقي دعم هذا المشروع. فبقاء هذا المشروع وتطويره وتصويبه وتوسيعه بمثابة إفشال توسع واحتلال العثمانية الجديدة لسوريا والمنطقة والسماح في الوقت عينه للشعوب في تركيا أن تلتقط أنفاسها وتسقط العثمانية الجديدة.

من عند احتلال تركيا لعفرين بدأ تقسيم سوريا بشكل أوضح، وتوسعت العثمانية من غربي الفرات إلى شرقه، إلى التهديد لبلدان الخليج العربي من (قطر الأردوغانية)، إلى ليبيا اللحظة، لاحقاً إلى السودان وبلدان المغرب العربي… كل شيء وارد طالما أردوغان متروك كي يوزع البارود في المنطقة؛ وهو الممتهن في ذلك، وهو المرتعب ألّا يتوقف لحظة وأزمة تركيا الداخلية.

من عند تحرير عفرين وكافة شمال سوريا نتلمس وقتها الحل السوري نحو التحول والتغيير الديمقراطي، والخطوة الأولى نحو شرق أوسط آمن.

عزل أردوغان عن ليبيا سؤال مهم ينجم عنه خطوة مهمة. لكن جواب هذا السؤال أيضاً كما حدث في احتلالاته لعفرين وجرابلس والباب واعزاز وتل أبيض ورأس العين يجب أن لا يترك على عاتق أحفاد عمر المختار.