كورونا يكشف التباين بين طبقات المجتمع

 

شاهدت مدى روعة منازل زملائي، ورأوا دواخل منزلي لأن مكتبي في غرفة نومي

( الدكتورة هانا يلين محاضرة أولى في الإعلام والثقافة في “جامعة أكسفورد بروكس”)

 

جعلتني الأيام التي قضيتها في استخدام تقنية المؤتمرات عبر الفيديوـ أشعر بأنني مؤثّرة شبكيّاً من النوع الرديء، لأننا جميعاً مضطرون إلى تغطية مظهرنا العام والخاص. إنها طريقة أخرى تسمح لانتشار فيروس كورونا والحياة في ظلّ الإغلاق، بأن يظهرا التباينات الطبقية بشكل أكثر وضوحاً.

أثار الوباء فعلاً أسئلة كبيرة وعاجلة عن الطبقية. إذ كيف يمكن لمشاهير لا تظهر عليهم أعراض العدوى، الوصول إلى اختبار “كوفيد 19” عندما لا تستطيع ذلك ممرضات هيئة “الخدمات الصحية الوطنية” اللواتي يعملن على الخطوط الأمامية في مواجهة الوباء؟ مَن هم الأشخاص الذين يُضطرون إلى تعريض أنفسهم لخطر أكبر من خلال مواصلة السفر إلى العمل، واستخدام وسائل النقل العام، وإلى أي فئاتٍ اجتماعية ينتمون؟

لاحظنا أن العمال الذين يتقاضون أجوراً زهيدة وغير مستقرة وكانوا غير مرحب بهم سابقاً، باتوا يرقَون اليوم إلى مستوى العامل الرئيسي والبطل. أدركنا أن جيريمي كوربين (زعيم حزب “العمال” البريطاني) كان على حق في اعتبار خدمة الـ”بروباند” لانتقال المعلومات عبر الإنترنت أداةً مفيدة للاقتصاد الحديث.

وبالنسبة إلى الطبقات المتوسطة التي مكّنها الإنترنت من العمل من المنزل، بدت الأيام الأخيرة مملوءة إلى حد كبير بزملاء العمل عبر مؤتمرات الفيديو، وبأنشطةٍ مفيدة يرسلها أفراد هذه الطبقات مع أطفالهم عبر “إنستغرام”، كدليل عام على المحاولات الخاصة التي يبذلونها لتعليم ذريّتهم في المنزل. وبدا الانتقال إلى العمل من بُعد، أمراً سهلاً على نحو مدهش. وقد شكل ذلك إهانةً لناشطين معوّقين طالما طالبوا بهذا النوع من الاندماج في مكان العمل الحديث، وحُرموا منه.

أنا محظوظة لأن لدي وظيفةً يمكنني مواصلة النهوض بها من المنزل، وشريكاً أتبادل رعاية الأطفال معه. في المقابل، تطلبت المعايير الاجتماعية الجديدة آداباً جديدة. في هذا الأسبوع، أجريتُ محادثة فيديو عبر “سكايب” مع أحد الزملاء، واتُّهِمْتُ بارتداء ملابس النوم (أقسم بأنني لم أكن كذلك!). وفي المقابل جرى الاستهزاء بشريكي أثناء مقابلة عمل عبر تطبيق “غوغل هانغ آوتس” المتخصص في تنسيق المقابلات واللقاءات، لارتدائه بدلةً في وقت لم يكن فيه خارج المنزل.

وفي الوقت الذي نقوم فيه ببثّ أنفسنا من داخل منازلنا، يجعلنا الحجر الصحي جميعاً مؤثّرين شبكيّين [يعملون] بأجور منخفضة للغاية. بتنا ندخل فجأةً إلى منازل أشخاص لم نلتقِ بهم من قبل إلا في الأماكن العامة، ونرى ما في دواخلها. أستطيع أن ألاحظ كم هي جميلة منازل زملائي. ومَن لديه ترف مساحة مكتب. ويمكنهم أن يرَوا في المقابل منزلي. إن مكتبي في غرفة نومي. إنها المساحة الوحيدة المزوّدة بخدمة “واي- فاي” مُناسِبَة مع بابٍ يمكنني إغلاقه على طفلي الصغير. ونتيجةً لذلك، يتعيّن عليّ أن أكون حذرة للغاية من التغيير الذي فرضه هذا الإطار.

فمن جهة، أعمل بعناية على ألا يشمل نطاق الكاميرا سطحاً فوضوياً معيباً لما يمكن للمرء أن يطلق عليها تجاوزاً اسم طاولة ارتداء الملابس. إذا حرفت الكاميرا بضع سنتيمترات في الاتجاه الآخر، فستكشف المرآة عن سريري غير المرتّب. لا يتوجّب أن يرى طلابي وزملائي ذلك، إذ ركّزتُ كاميرا الويب على مساحة ضيقة لكنها محايدةً بشكل كاف. أصبحتُ مهووسة بالطلاء غير المكتمل على الباب في خلفية الصورة، لكنني بتُّ على اقتناع بأن هذا أصبح الآن جزءاً لا يتجزّأ من علامتي التجارية المهنية. (على الرغم من أنني لم أحرك ساكناً حيال ذلك الأمر في الأعوام الخمسة السابقة).

ربما يشكل هذا التركيز على توافر طلاء رمادي بنّي، جزءاً من استراتيجية إدارة القلق، وقد يكون طريقة مريحة لإضاعة الوقت في المرحلة التي تحترق فيها روما. ومن المؤكد أنه أكثر متعةً من عادتي الأخرى المتمثلة في مواصلة تحديث صفحة الويب الخاصة بإحصاءات علاج مرضى كورونا في كل منطقة، التي أنشأها موقع “بي بي سي”.

يطرح هذا الخلط بين الشخصي والمهني نفسه منذ مدة طويلة، لكنه يتسارع الآن إذ يُطلب منا الاتصال بشكل محترف عبر وسائل التواصل الاجتماعي الشخصية، والتواصل مع الزملاء في أماكن نقوم  فيها عادةً بالتفاعل الاجتماعي. إنه اختراق آخر لحياتنا الشخصية. إنه مسارٌ جديد لاجتماعات مستمرة على محرك “زووم” Zoom، وندوات عبر الإنترنت، وقد بات علينا الآن أن نفكر في صورة مشاريع حياتنا الداخلية في سياق احترافي.

في ذلك الصدد، ترى البروفيسورة سارة بانيت وايزر، أن “العلامة الذاتية” تجلب منطق الأعمال إلى أهم علاقاتنا الاجتماعية الشخصية، فتصبح معها حياتنا اليومية وهوياتنا الفردية وعلاقاتنا الشخصية، أفعال تسليعٍ ذاتي.

في المقابل، بات الفرد المؤثر في الشبكات الرقمية، شخصيةً في الثقافة الحديثة، بل نموذجاً لعصر العلامة التجارية الذاتية. وتمنح الوسائط الرقمية (بعض) القوة لـ (بعض) الأشخاص للمشاركة وتمثيل أنفسهم بطرق لم تكن ممكنة من قبل. وفي المقابل، فإنها تتطلب منا أن نسوّق أنفسنا باستمرار، ونراقب من نكون، وكيف نقدّم أنفسنا، وكيف نوجد، حتى في غرف النوم الخاصة بنا.

أنا ممتنّة لشريان الحياة في هذه الأوقات العصيبة، لكن أولئك الذين يتمتعون بامتياز ما يكفي كي يبقوا في وظائفهم، سيشهدون على الأرجح عملاً منتهكاً لخصوصياتهم، أكثر فأكثر.