من الطبيعي أن تختلف توقعات النمو الاقتصادي في تركيا عن العالم ككل. فهناك العديد من الافتراضات والنماذج الإحصائية المختلفة وراء الرقم الواحد.
ولكن خلال فترة عملي التي دامت عقدين تقريبًا كخبير اقتصادي في مؤسسات الفكر والمؤسسات الدولية والبنوك، بالإضافة إلى كوني أعمل بمجال تقديم التوقعات للمنظمات مختلفة، لم أشهد اختلافاً كبيراً حول توقعات النمو الاقتصادي في تركيا.
وهذا أمر متوقع, حيث سيعتمد معدل النمو الاقتصادي للبلاد على مدة استمرار وباء فيروس كورونا وعلى مدى سرعة عودة المستهلكين والشركات إلى سلوكهم الطبيعي بمجرد السيطرة على الوباء.
وهناك عاملاً آخراً يؤكد حالة عدم اليقين بشأن عودة النمو الاقتصادي إلى حالته الطبيعية؛ وهو رد فعل الحكومة – ليس فقط من حيث الحظر والتدابير الأخرى، ولكن أيضًا من حيث دعم الدولة. وأخيرًا، سيكون من المهم أيضًا رؤية كيفية استمرار رد فعل العالم تجاه الوباء، خاصةً بالنسبة للمصدّرين في تركيا.
ويعد البنك الدولي من ضمن أحد المؤسسات القليلة التي لا تزال تتوقع أن تحقق تركيا نموًا اقتصاديًا إيجابيًا (0.5 بالمئة) هذا العام. في حين أن جمعية المصنعين ورجال الأعمال التركية، وهي مجموعة تمثل أكبر الشركات في تركيا، لم تنشر أي توقعات رسمية. وقال رئيسها، سيمون كيسلوفسكي، لصحيفة جمهورييت إن الجمعية شهدت نموًا صغيرًا ولكنه إيجابي هذا العام.
وفي الوقت نفسه، قام الأكاديميان غوفين ساك، وفاتح أوزاتاي، المنتسبان إلى مؤسستي الفكريتين في أنقرة “تيباف” و”توب إي تي يو”، بإجراء حسابات سريعة ومبسطة لتشمل افتراضات بشأن التغييرات في مختلف عناصر إجمالي الناتج المحلي في تركيا. ووجد الأكاديميان أنه إذا استمرت الأزمة لمدة عام كامل، فسوف ينكمش الاقتصاد بنسبة هائلة تبلغ 38 بالمئة.
ويقوم الأستاذ في جامعة الشرق الأوسط التقنية، إرول تيماز، بالاستعانة بتحليل ساك وأوزاتاي ثم ينظر من خلاله في الروابط بين القطاعات المختلفة. ومن ثم واستناداً إلى الافتراض الضمني بأن الوباء سيستمر طوال العام، يقول تيماز إن الناتج المحلي الإجمالي سينكمش بنسبة 23.5 بالمئة. ومع ذلك، ووفقًا لحساباته، يمكن للسياسات الاقتصادية تقليل هذا الانخفاض بما يصل إلى 10 نقاط مئوية.
وعلى الرغم من أن الاقتصاد يُشار إليه عادةً باسم العلم الكئيب، إلا أن هذه التوقعات القاتمة لا يجب أن تصيبنا بالإحباط. فهي تستند في الأول والآخر إلى افتراضات متشائمة للغاية تتعلق بانتشار فيروس كورونا. وطبقاً للافتراض الأكثر منطقية القائل بأن “الوباء واحتواءه سيصلان إلى الذروة في الربع الثاني، وأن تراجعهما سيحدث في النصف الثاني من هذا العام”، يتوقع صندوق النقد الدولي أن ينكمش الاقتصاد التركي بنسبة 5 بالمئة في عام 2020 قبل أن يرتد في عام 2021 بمعدل نمو 5 بالمئة.
وستكون استجابة الحكومة، ليس فقط من حيث إطلاق الحوافز ولكن أيضاً من خلال إتباع قواعد التباعد الاجتماعي، عاملاً مهماً للغاية يؤثر على مدى التباطؤ الاقتصادي. وهذا ما توضحه أستاذة جامعة كوك بأستراليا، سيلفا ديميرالب في نتائج البحث الذي تعمل عليه مع العديد من المؤلفين المشاركين، وتشير إلى أنه “في ظل سيناريو حظر جزئي مشابه للوضع الراهن”، سيتم احتواء الفيروس في 190 يومًا، وخلال ذلك الوقت سينخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 17 بالمئة.
ووجد الباحثون أنه لو تم فرض حظر كامل عندما بلغ عدد الحالات 70 ألف حالة، لكانت السيطرة على الفيروس أسرع، حوالي 42 يومًا، وكان قد انخفض خلال ذلك الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 7.8 بالمئة.
وكلما طال تأخير فرض الحظر الكامل، زادت تكلفة الاقتصاد. على سبيل المثال، أظهرت محاكاة الاقتصاديين أنه إذا تم تفعيل الحظر الكامل بعد يوم واحد من الوصول إلى 70 ألف حالة، لكان استغرق احتواء الوباء 44 يومًا فقط. كل يوم يتم فيه تأجيل فرض الحظر الكامل، يزيد من فترة الحظر بشكل عام – وبالتالي يتسبب ذلك في خسارة قدرها 0.4 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي.
وفي مقابلة تلفزيونية في 16 أبريل، بعد وقت قصير من نشر مذكرة ديميرالب، ادعى إبراهيم كالين، المتحدث باسم الرئيس رجب طيب أردوغان، أن تكلفة الحظر الكامل ستكون باهظة جداً بالنسبة للاقتصاد.
وقال كالين “في بعض الأحيان، قد يتقدم الناس بمثل هذه التوصيات بحسن نية، ولكنها لا تستند إلى أي بيانات علمية”. ولكنه إذا كان قد قرأ ملاحظات ديميرالب، لكان كالين قد رأى أن قضية الحظر الكامل تستند في الواقع إلى البيانات العلمية.
أو ربما كان قد قرأ الوثيقة وأدرك جيداً عواقب الحظر الجزئي. قد تكون الحكومة تفضل الخسارة الأكبر، ولكن بشكل تدريجي في الناتج المحلي الإجمالي موزعة على مدى عدة أشهر، على أن يحدث تراجع مفاجئ في مدة قصيرة تقدر بحوالي شهر. وسيؤدي هذا النهج إلى المزيد من الإصابات والوفيات، ولكن بعد كل شيء، كما قال جوزيف ستالين، “لا يمكنك صنع عجة دون كسر البيض”.
يمكن أن يكون الحظر الجزئي في تركيا واحدًا من أغلى منتجات 2020 – ليس فقط من حيث التكلفة على الاقتصاد ولكن أيضًا على الأرواح البشرية
إيمري ديليفيلي