لم تحسم الانتخابات الأمريكية رغم التقارير التي تؤكد فوز جون بايدن على ترامب كون الأخير ما يزال مصر على فوزه وتشكيكه بنزاهة العملية الانتخابية والمظاهرات التي تخرج تضامناً مع ترامب والتي تحدث لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة والتي ترفض نتائج الانتخابات قد تدفع ترامب للقيام بأعمال قد تصعّب بتسليم السلطة لجون بايدن بالرغم من تصريح وزير الخارجية الأمريكي ومستشار الأمن القومي بانتقال سلمي للسلطة أوقد تزيد من أعباء جون بايدن عند تسلمه السلطة بداية العام الجديد. فالتغيرات الكبيرة التي قام بها ترامب بإقالة وزير الدفاع وتعيين وزير جديد وتصريح الوزير بإعادة الجنود الأمريكيين من الشرق الأوسط إلى وطنهم قد يؤدي إلى حدوث فراغ في المنطقة ينتهي بنشوب حروب في المنطقة، لكن رغم ذلك فإن المصالح الحيوية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط لا يمكن التفريط بها مهما تغيرت الإدارات الأمريكية وتباينت الآليات والوسائل التي يتبعها الرؤساء الأمريكيون والتي قد تؤدي إلى حدوث خلل في بعض الفترات، إلا أن الهدف يبقى في بقاء منطقة الشرق الأوسط تحت الهيمنة الأمريكية ووضع قواتها على أهبة الاستعداد في حال تعرضت مصالحها الحيوية في المنطقة لأي تهديد.
أمام جون بايدن مهام صعبة في ظل تغيير نظرة دول العالم تجاه سياسية الولايات المتحدة الدولية وقد لا يتمكن من تلافي سياسات سلفه “ترامب” التي أدت إلى زعزعة الثقة الدولية وخاصة الحلفاء بالولايات المتحدة ” أزمة جزيرة القرم، حلف الناتو، التدخل العسكري التركي في شمال سوريا، صفقة أس 400 بين تركيا ورسيا والعلاقة المتنامية بينهما….”. لذلك فإن المنطقة برمتها أمام تفاعلات سياسية جديدة مختلفة كلياً عن الفترات السابقة لأن جون بايدن وصل إلى الرئاسة في ظروف صعبة حالت دون أي تقدم للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. فمنطقة الشرق الأوسط تتمتع بأهمية كبيرة في الاستراتيجية الأمريكية والتي لا يمكن التفريط بها أمام التمدد الروسي بشكل مطلق في المنطقة خاصة في سوريا، فتواجد القوات الأمريكية في سوريا باتت ضرورة ملحة لعدم انفراد روسيا بكامل الملفات الخلافية فيها والتي قد تجعل الوجود الأمريكي ومصالحه في مرحلة العد التنازلي في المنطقة من أجل ذلك صرح بايدن بأنه سيحافظ على وجود قوات عسكرية أمريكية في شمال شرق سوريا كونها أظهرت أنها الرادع للتمدد الروسي والنظام في شمال وشرق سوريا، وبالتالي من المحتمل بحسب تصريحات جون بايدن منع تركيا القيام بأي عملية عسكرية جديدة على مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا تزعزع الوجود الأمريكي أكثر لصالح روسيا، وقد تتجه الإدارة الذاتية وقواتها قوات سوريا الديمقراطية نحو الحصول على الشرعية الدولية خلال ولايته وذلك من أجل شرعنة وجودها العسكري في المنطقة، ولكن هذا يتوقف على قدرة جون بايدن بالضغط على تركيا سياسياً واقتصادياً واقناع روسيا بنظام فيدرالي ينهي الأزمة السورية.
إن الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة جون بايدن قد تنتهج السياسة الدبلوماسية في الأزمة السورية فلا نية له بإسقاط النظام بل سيضغط أكثر على النظام السوري حتى وإن خفت العقوبات على سوريا -بتأثير إيران التي قد تكون بداية عودة المفاوضات بين الطرفين كون بايدن من مؤيدي الاتفاق النووي مع إيران والذي وقع في فترة باراك أوباما ولكن مع سياسة أكثر حزماً اقتصادياً من خلال فرض عقوبات جديدة عليها وعسكرياً في إضعاف نفوذها في سوريا وتظهر مؤشراتها في كثافة الضربات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية في سوريا وتصريح قائد مجلس دير الزور العسكري بأنهم مستعدون لطرد إيران من المنطقة، ومن المحتمل في المرحلة القادمة قيام التحالف الدولي بقطع الطريق بين بغداد دمشق على الحدود السورية العراقية وفي حال تم رضوخ إيران للسياسة الأمريكية وانحسار تواجدها العسكري في سوريا قد يتم الوصول من خلال المفاوضات إلى رفع العقوبات بشكل جزئي مما قد يؤدي إلى انتعاش اقتصادها وضخ الأموال إلى سوريا للحفاظ على نفوذها – وذلك من خلال منع إعادة الإعمار وعودة العلاقات السورية مع محيطها الإقليمي والعقوبات المفروضة على أبرز الشخصيات في النظام ما لم يتم التوصل إلى حل سياسي ينهي الأزمة السورية.
ولا تقتصر سياسة بايدن في الأزمة السورية بالنظام فقط بل بتركيا أيضاً، بحسب تصريحات بايدن أثناء الحملة الانتخابية ومناظراته مع ترامب فإن العلاقات الأمريكية التركية ستزداد سوءاً في المستقبل، حيث وصف بايدن أردوغان بأنه “مستبد” وعليه أن يدفع الثمن غالياً، وحث على دعم المعارضة التركية لإسقاطه ، وانتقد سياسته تجاه الكرد، كما أنه انتقد الرئيس دونالد ترامب لتخليه عن الكرد أمام الهجوم التركي على منطقتي كري سبي وسري كانيه، وأكد في حوار أجراه مع صحيفة “نيويورك تايمز” بأن آخر شيء كان يمكن فعله هو التنازل لأردوغان فيما يتعلق بالمسألة الكردية كما فعل ترامب أمام أردوغان في سوريا، حيث سيضغط على تركيا بسبب شرائها منظومة اس 400 وتفعيلها بدون موافقة الولايات المتحدة وعلاقتها مع روسيا ودوره في نزاع قره باغ، واتهم بايدن نظام أردوغان بتأسيس تنظيم داعش، معربا عن قلقه من وجود 50 رأساً نوويا أمريكيا في تركيا، كما تعهد بالعمل مع حلفاء أمريكا في المنطقة لعزل أردوغان وأفعاله في البحر الأبيض المتوسط، ومن أجل ذلك فقد يفتح بايدن ملف بنك خلق الذي جمده ترامب مما قد يؤدي لظهور متاعب مالية واقتصادية لتركيا، خاصة مع الوضع الاقتصادي الهش واستمرار انهيار الليرة التركية، وربما يتسع نطاقها خلال الفترة المقبلة، لا سيما في حالة ما إذا تصاعدت حدة التوتر بين الأخيرة والولايات المتحدة بشكل أكبر خلال المرحلة القادمة والتي قد تجبر تركيا للعودة إلى الفلك الأمريكي في المنطقة لوجود سياسة تركية تضر بالمصالح الأمريكية كالعداء التركي للكرد كون الكرد حلفاء وشركاء الولايات المتحدة في المنطقة وهذا العداء التركي يشكل خطراً حقيقياً على المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، فالمرحلة القادمة ستدور حول حلحلة الصراعات بين حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة مثل عقد اتفاقية السلام بين الكرد وتركيا التي ستترك تأثيراً إيجابياً على العلاقة التركية بالإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا والتي قد تفضي إلى صيغة تفاهم حول المناطق المحتلة من قبل تركيا. أو قد يحدث العكس وذلك بقيام أردوغان بتقوية علاقاته أكثر مع روسيا كرد فعل، لذلك فإن تصريحات بايدن قد لا تعكس بالضرورة السياسة التي سيتبعها إزاء تركيا وبقاء مناطق الاحتلال التركي في سوريا تحت سيطرتها، بسبب أهميتها الجيوسياسية لتركيا في المنطقة والعالم بالنسبة لحلف الناتو والتي يستغلها أردوغان للضغط عليها لتنفيذ أطماعه التوسعية، وعام 2023 وهو العام الذي يكون قد مرَّ 100 عام على اتفاقية لوزان التي يعول عليها أردوغان كثيراً في سياسته الداخلية والخارجية وبذلك سيكون عاماً محورياً في العلاقات التركية الأمريكية الأوروبية خاصة في حال استطاع أردوغان الفوز في الانتخابات الرئاسية.
كما أن إدارة بايدن الجديدة “مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية ووزير الدفاع” ستلعب دوراً كبيراً في رسم ملامح السياسة الأمريكية الجديدة وتحويل أقوال بايدن إلى أفعال تجاه الدول المعنية في أزمات الشرق الأوسط “روسيا وتركيا وإيران والنظام”.
NRLS