منذ التدخل الروسي العسكري المباشر في سوريا وبطلب من النظام، لم يعمل على إنهاء الأزمة بل جعلت الملف السوري أكثر تعقيداً على الرغم من نجاحها في السيطرة على مناطق واسعة من سوريا وتعويم النظام، وتراجعت مناطق سيطرة الجماعات المسلحة وحصرها في مناطق درع الفرات وإدلب، وكانت باستطاعتها في بدايات الأزمة السورية إجراء حوار سوري – سوري ووضع دستور للبلاد يحفظ حقوق المكونات السورية وتلعب الدور البارز في تأسيس سوريا الجديدة. ولكن هذا الأمر لا يناسب روسيا وأهدافها السياسية والاقتصادية في المنطقة، فهي لم تتدخل إلا بعد أن شعرت بقرب انهيار النظام، لتملي عليها شروطها السياسية والاقتصادية، فقد نجحت روسيا في السيطرة على القرار السياسي في سوريا إلى جانب إيران ووضعت يدها على كامل الثروات السورية في مناطق غربي الفرات الخاضعة لسيطرة النظام، من نفط وغاز وفوسفات وعلى الموانئ والمطارات السورية وإنشاء وتوسيع القواعد العسكرية وجميعها بعقود طويلة الأمد، وهي من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تدهور الاقتصاد السوري وانهيار الليرة السورية إلى مستوياتٍ قياسية.
فروسيا تمارس نفس السياسة في شمال وشرق سوريا، حيث لعبت دوراً سلبيا تجاه الإدارة الذاتية، فهي لم تكن الضامن النزيه في الحوار بين مسد والنظام، كما أنها لم تقدم أي دعم لقوات سوريا الديمقراطية أثناء محاربتهم تنظيم داعش الإرهابي أو حماية مناطق الإدارة الذاتية من خطر التنظيم بل وقفت موقف المتفرج نتيجة علاقاتها المتنامية مع تركيا الداعم الأكبر للتنظيم لأهداف تتعلق بالعلاقة التركية مع الولايات المتحدة وحلف الناتو من جهة ومن جهة أخرى كانت تهدف لإضعاف وحدات حماية الشعب والمرأة ومن بعدها قوات سوريا الديمقراطية لتسليم مناطقها للنظام من دون أي مقابل ومن ثم وضع يدها على ثروات المنطقة فهي من تنازلت عن عفرين لتركيا وحرضت تركيا على احتلال سري كانيه وكري سبي. وهذه السياسة ما زالت مستمرة فهي لم تلتزم بالاتفاقية الأمنية الموقعة مع قسد في أكتوبر من العام الماضي بعد اجتياح الجيش التركي لسري كانيه وكري سبي بل أصبحت تهدد قوات سوريا الديمقراطية بعملية عسكرية تركية أخرى ما لم تسلم عين عيسى وكوباني لقوات النظام وقد تمنح الضوء الأخضر لتركيا قبل بلورة ملامح السياسة الأمريكية الجديدة خلال فترة بايدن في سوريا، للقيام بعملية عسكرية محدودة لإجبار قسد بتسليم المنطقة للنظام أو على الأقل تقديم تنازلات لها، ولن تتوقف السياسة الروسية عند عين عيسى في حال نجحت بالضغط على قسد في عين عيسى بل ستشمل بقية المناطق وبالأخص منطقة ديرك الغنية بالنفط والغاز والمحاصيل الزراعية أي أن روسيا ستتبع سياسة قضم الأراضي بشكل تدريجي حتى يتم إنهاء الإدارة الذاتية وإضعاف قوات سوريا الديمقراطية وإعادة النظام إلى المنطقة وهذا ما تؤكده الخروقات التي تحدث من قبل المجموعات الإرهابية المرتبطة بتركيا في ريف عين عيسى الشمالي، وإلى جانب هذه الضغوطات تستمر روسيا في سياستها التخريبية في المنطقة من خلال تحريض بعض العشائر العربية الموالية للنظام على الإدارة الذاتية ومحاولاتها لضرب الاستقرار الذي تتمتع بها المنطقة. فروسيا هدفها الانفراد بالملف السوري ووضع يدها على مقدرات البلاد والسيطرة على الطرق الاستراتيجية من أجل التمدد اقتصادياً في المنطقة والتحكم بأجزاء من المشروع الصيني التجاري “حزام واحد طريق واحد” وحماية أمنها القومي من خلال منع أي مشروع يهدف إلى نقل الغاز من الشرق الأوسط إلى القارة الأوروبية والحفاظ على سوريا كقاعدة عسكرية لها في الشرق الأوسط “قاعدة حميميم الجوية وقاعدة طرطوس البحرية”. لكن تواجد القوات الأمريكية في مناطق الإدارة الذاتية تشل قدرة روسيا في التحكم بالملف السوري والسيطرة على كامل سوريا، لذا تستغل روسيا الخلافات التركية مع حلف الناتو “وهي الحلقة الأضعف في الناتو” لتسيطر على مناطق الإدارة الذاتية وتوسيع دائرة الخلافات بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية وذلك من خلال الاتفاقيات الموقعة معها “آستانا وسوتشي” واستغلال اتفاقية أضنة الموقعة بين النظام السوري وتركيا ضد قسد، وتحريض الدول الإقليمية ومعها النظام ضد الإدارة الذاتية من خلال الترويج لدعاية مفادها محاولة الولايات المتحدة القيام بإنشاء دولة انفصالية في شمال شرق سوريا. هذه السياسة جعلت شعوب المنطقة تفقد ثقتها بروسيا وترفض تواجدها العسكري في مناطقها.
على الرغم من الدور السلبي الذي تلعبه روسيا في المنطقة، إلا أن تواجدها العسكري في مناخ يسوده التنافس والصراع على المناطق يبقى إلى حد ما ضروري في المنطقة، وهو ما خلق نوع من التوازن الدولي في شمال وشرق سوريا، فروسيا لاعب اساسي إلى جانب الولايات المتحدة في إنهاء الأزمة السورية، وقادرة على منع أي اجتياح عسكري تركي للمنطقة، وعلى إعادة ثقة شعوب المنطقة بها والتي خسرتها بعد الاجتياح التركي لعفرين، وذلك من خلال تغيير سياساتها “الاستفزازية” في المنطقة وأن تلعب دوراً كبيراً “الضامن والنزيه” في المفاوضات بين مسد والنظام والوصول إلى صيغة تنهي الخلافات بين الطرفين وتضع دستور جديد يضمن حقوق مكونات المنطقة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وأخيراً لا بد على روسيا الإدراك بأن وجودها في سوريا والحفاظ على مصالحها في المنطقة والذي يدخل ضمن أمنها القومي مرتبط بأخذ مصالح شعوب المنطقة بعين الاعتبار.
NRLS