تحالفات جديدة بدلا من معارك جانبية

تثير المعطيات على الأرض حفيظة المراقبين للشأن السوري حول ما سيؤول إليه مستقبل سوريا وهل سيكون للأسد دور في المستقبل وما هي التداعيات التي ستخلفها ارتفاع فاتورة الخسائر الجسيمة التي تلقتها الطائفة العلوية على مدار الأعوام الماضية من الأزمة.

مما لا شك فيه فإن تداعيات العقوبات التي فرضت على النظام السوري أبقت الطائفة العلوية إلى جانب الرئيس السوري بشار الأسد إلا أنه وبعد حصر المجاميع الإرهابية في شمال غرب سوريا بدأت الخلافات تعصف بالبيت الداخلي للطائفة العلوية وظهرت الخلافات وتعمقت فبرز تياران داخل الطائفة العلوية يقود أحد التيارين بشار الأسد وزوجته أسماء الأخرس والتيار الآخر يقوده رامي مخلوف فالمؤشرات دفعت إلى حدٍّ كبير العوائل العلوية في الساحل السوري للوقوف إلى جانب رامي مخلوف ومساندته في ظل الهجوم الواسع الذي شُنَّ عليهِ من قبل بشار الأسد وزوجته.

من جهة أخرى فقد جاء قانون قيصر الذي أعُلن عنه في 12 يوليو 2016 كضربة قاصمة للنظام السوري إلا أنه وحتى يومنا هذا لم تشمل هذه العقوبات رجل الأعمال البارز في سوريا وعراب الاقتصاد رامي مخلوف والذي كان يتحكم بالاقتصاد السوري على مدار عقود من الزمن، بل شملت كافة الشخصيات المحيطة به واستولى النظام السوري على كافة أملاك مخلوف ومنها شركات الاتصال،.

فلماذا لم تطل رامي مخلوف عقوبات قيصر حتى الآن؟ وهل هذه الخطوة هي مؤشر وتمهيد لرغبة واشنطن في الحفاظ على الطائفة العلوية في سوريا عبر مخلوف؟

قانون قيصر وإعفاء رامي مخلوف

لدى البحث في قانون قيصر واستناداً إلى المواد والفقرات التي طرحت فيه فإن القانون يشمل كافة الشخصيات التي كانت سبباً في استمرار الانتهاكات على الأرضي السورية وقتل الشعب السوري، لأنّ رجل الأعمال السوري رامي مخلوف ومنذ إقرار قانون قيصر وطرحه أمام الكونغرس لم يرد اسمه قط في الإحاطات التي تم تقديمها.

ولعل الاهتمام الذي أبرزه رامي مخلوف خلال الأزمة السورية كان يرتكز وبشكل مباشر على دعم المجال الإنساني والصحي كإعالة 15 آلف عائلة علوية في الساحل السوري كان قد قتل أبناؤهم خلال الحرب الأهلية في سوريا بالإضافة إلى تقديم المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في المناطق التي كانت تقع تحت سيطرة النظام السوري بالرغم من المضايقات التي كانت تتعرض له المؤسسات التابعة لرامي مخلوف منها صحيفة الوطن السورية إلى جانب المؤسسات الخيرية ومنها جمعية البستان إلا أن نشاط المؤسسات لم يتوقف بالرغم من ذلك، في سياق متصل بما ذكر فإن القسم “ب” من عقوبات قيصر والذي يتضمن الاعفاء والتنازل عن العقوبات التي تشمل رجل الأعمال السوري رامي مخلوف وذلك نظراً إلى دعمه للقطاع الإنساني والصحي ولا يدعم مجرمي ومرتكبي الحرب في سوريا، بالطبع هذا الأمر هو يستند بالدرجة الأولى على نشرة الكونغرس الأمريكي فيما يتعلق بالشخصيات التي تطالها العقوبات.

من جهة أخرى فإن استئناف حكومة الرياض رحلاتها الجوية إلى دمشق عبر شركة أجنحة الشَّام إلى جانب قيام الشركة المملوكة لرامي مخلوف بنقل المساعدات الإنسانية من الإمارات إلى دمشق يثير عدة تساؤلات حول أن أحد أبرز أوراق الضغط التي تفرضها واشنطن على دمشق هي قطع كافة الدول علاقاتها مع دمشق ومنع أي عملية اتصال بين دمشق ودول الخليج على وجه التحديد فما السبب الكامن خلف قيام شركة محسوبة على النظام السوري بنقل بضائع وتسيير رحلات جوية شبه أسبوعية مع الدول الخليجية؟  لعل الإجابة عن هذه الاسئلة تكمن فيما ذكرناه سابقاً بأن السياسة الامريكية القاسية تجاه النظام السوري لا تشمل رامي مخلوف ؟ هل يدل هذا على بداية تشكيل تحالف أو تحرك علوي بقيادة مخلوف ضد النظام في دمشق.؟

 

الطائفة العلوية في الساحل السوري

يتزايد يوماً بعد يوم عدد العوائل المهمة والمؤثرة، في الساحل السوري التي تبتعد عن بشار الأسد (آل الخير، آل المهنا) بالإضافة إلى العشرات من العوائل الأخرى في الساحل السوري والتي أبدت موقفها من عدم قدرتها على دعم نظام بشار الأسد نظراً للارتفاع الضخم لفاتورة الحرب والتي تكبدتها الطائفة العلوية بشكل أكبر.

بالإضافة الى ذلك فإن السياسة التي انتهجها رأس النظام السوري بشار الأسد ضد ابن خاله رامي مخلوف جاء كتهديد مبطن للعوائل العلوية في حال عدم امتثالهم لما يمليه الأسد على العوائل العلوية، من جهة أخرى فقد كان اللقاء الذي نظمته عشائر علوية في جنيف والذي عقد بين العوائل العلوية وموسكو أثار استهجان رأس النظام السوري حول ما يمكن أن يكون لهذا اللقاء من تداعيات كتقرب الروس إلى المعارضين لـ آل الأسد

والعقوبات التي فرضت على الأسد أوقفت النشاطات الاقتصادية للعوائل العلوية في الداخل السوري مما دفعهم إلى البحث عن بديل مناسب ومنطقة اقتصادية حرة لممارسة نشاطاتهم الاقتصادية ولعل هذا الأمر قد يكون بداية للالتفاف حول رامي مخلوف وإبرازه على أنه ممثل للطائفة العلوية في سوريا.

السيناريوهات المحتملة

وفي ظل ما تشهده السّاحة السورية من تطورات متسارعة وزيادة الامتعاض الذي تبديه الطوائف والمكونات في سوريا تجاه النظام السوري من الاستهتار بالمقدسات للطائفة الدرزية مثلاً وصولاً إلى استنزاف الطائفة العلوية فإن تلك المؤشرات توحي إلى ضرورة تكاتف القوى المتواجدة على الأرض لحقن الدماء والوصول بسوريا إلى بر الأمان.

خلاصة لما ذكرناه فإن انتهاك مقدسات الطائفة الدرزية واستخدام داعش (شماعة) للتمدد في الجنوب السوري من قبل الميلشيات الإيرانية كان أحد أبرز العوامل  التي دفعت برفض شيوخ طائفة الموحدين الدروز الإملاءات التي تفرضها حكومة دمشق على الجنوب وتأسيسهم لتشكيلات عسكرية لحماية مناطقهم بالإضافة إلى أن الرسالة التي وجهتها الطائفة الدرزية إلى قوات سوريا الديمقراطية على خلفية قيام قوات سوريا الديمقراطية بعرض مبادلة عناصر داعش المعتقلين لديها بالعوائل الدرزية التي أختطفتها داعش في حزيران 2018 كان بداية لفتح قنوات حوار بين مناطق شمال شرق سوريا وأقصى الجنوب السوري.

إن حدوث أي تقارب بين المكونات السورية يأتي في خانة معاكسة لسياسة النظام السوري المبنية على أساس (فرق تسد) حيث هذا التقارب  سيدفع بعجلة الحل في سوريا، لذلك فإن بناء وتوطيد العلاقات بين المكونات السورية في الوقت الراهن يصب في خانة إضعاف موقف النظام السوري بدلا من مهاجمته وخوض معارك جانبية معه.

 

NRLS