مع تطور التعقيد في المشهد السوري وهيمنة أصحاب الأجندات على مسار الثورة في سوريا وتحولها إلى نقطة خلاف ما بين السوريين لا وحدتهم حسب الأهداف التي بدأت من أجلها هذه الثورة في سوريا، ظهرت تجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية آنذاك التي تأسست في عام 2014 كأول تجربة ريادية يمكن لها أن تكون البديل عن كل الفوضى التي اجتاحت سوريا، حيث أسست لشراكة فعلية وعملية ما بين الشعوب وتلاقى هذا الجانب النوعي مع الجانب التنظيمي المجتمعي والذي نتج عنه أسس جديدة في الدفاع والحماية الذاتية فكان الجانب العسكري متمماً للمجالات التي تنظمت الإدارة الذاتية من أجلها.
هذه التطورات النوعية التي ظهرت في روج آفا- شمال وشرق سوريا أفضت إلى نتائج عملية ملموسة على صعيد التقدم والنجاح، حيث توسعت رقعة المناطق التي أصبحت تحت إدارة الإدارة الذاتية، وتصاعدت حالة التصدي الفريد والأول من نوعه لداعش في المنطقة، خاصةً مع الانتصار الذي تحقق في كوباني عام 2015 والذي كان قفزة تاريخية نحو ظهور ملامح المشروع الديمقراطي في سوريا من خلال نموذج الإدارة الذاتية. تركيا التي كانت تعوّل على داعش في إسقاط هذه التجربة سئمت من التراجع والفشل في المخططات التي وضعتها ضد شعبنا؛ حيث داعش لم تصل إلى المستوى المطلوب تركيّاً في منع تطور هذه التجربة كذلك أضاع التنظيم المتطرف بوصلته حينما تم توجيهه نحو مناطقنا، فضاع الهدف وفشلت الآمال فما كان لتركيا خيار إلا أن تتدخل مباشرةً.
مهدت تركيا لهدفها الاحتلالي في سوريا ومن أجل إعاقة تقدم تجربة الإدارة الذاتية، حيث في الـ ٢٥ من نيسان/ أبريل ٢٠١٧ شنت ٢٦ طائرة حربية تركيّة هجوماً على مراكز قيادة وحدات حماية الشعب والمرأة، ومركزاً للإعلام على سفح جبل قره جوخ، استُشهد وأصيب على إثرها ٣٨ مقاتلاً ومقاتلة من وحدات حماية الشعب والمرأة، ولاحقاً وبعد أن فشل هدفها وزاد إصرار شعبنا على محاربة داعش والحفاظ على تجربة الإدارة، دخلت بشكل علني وواضح إلى جرابلس وإعزاز في شهر آب عام ٢٠١٧، حيث الهدف هو الاحتلال، بالإضافة إلى فصل مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية عن بعضها ووضع عفرين تحت الحصار. إذ؛ احتلوها لاحقاً، يمكن القول بأن قصف قره جوخ كان من أجل بدء مشروع احتلال علني.
هذا القصف جاء بالتزامن على قصف مركّز على مناطق شنكال، حيث الهدف كان واضحاً الانتقام لداعش التي بدأت تتراجع وبدأت ملامح هزيمتها وشيكة وكذلك منع تطور التجربة الديمقراطية والإدارة الذاتية في أي منطقة كانت سواء في روج آفا أم في شنكال. وما نجم لاحقاً من احتلال لعفرين وسري كانيه وكري سبي/ تل أبيض هو نتاج الأهداف والمخططات ذاتها.
رغم ما حدث بقيت المقاومة مبدأً صامداً، لم يتنازل شعبنا عنها ودافعت ولازمت خط المقاومة حتى اللحظة، السبب الأساسي للصمود أمام المخططات التي أرادت الإبادة للوجود هي المقاومة، المقاومة التي جعلت من هذه التجربة مستمرة حتى الآن وساهمت في القضاء على داعش أسست أيضاً لانطلاقات جديدة في المنطقة وليس فقط في روج آفا وشمال وشرق سوريا أو سوريا. تركيا التي تحاول بكل السبل النيل من هذه المكاسب اليوم تصطدم قبل المواقف المقاومة لشعبنا بالتفاعل العالمي المجتمعي مع هذه المقاومة وروحها. لذا؛ ما تم الوصول إليه اليوم ليس بالسهل الممكن، بل نتاج التطور النوعي للمقاومة أيضاً. الالتزام بهذا النهج كفيل بتحقيق النصر وإفشال المخططات المرحلية والبعيدة المدى ضدنا. نحن نستذكر هذه المحطات ونكشف سبل المواجهة بحيث نستطيع القول بأن استهداف قره جوخ وكل المناطق الأخرى من مناطقنا لم يكن بمجرد القصف وتحقيق هدف آني وإنما بدايات كبيرة لتصفية وإبادة شعبنا، حيث لن يكون ذلك لطالما خيار الدفاع والحماية الذاتية والمقاومة مبادئ لا تنازل عنها.
إحياء “يوم الشهيد ٢٥ نيسان”، حيث مشاركة شعبنا بمختلف مكوناته في هذه المناسبة هو استذكار عملي لمعاني الشهداء ومسيرتهم الخالدة كذلك تأكيد واضح للسير على نهج المقاومة ضد جميع مخططات الاحتلال والتصفية وتأكيد أعمق على الالتزام والدفاع عن المشروع الديمقراطي الذي يعتبر ضمان الأمن والاستقرار والحرية لشعبنا وطريق تحرير المناطق المحتلة ومسار النصر لشعبنا اليوم وللأجيال المتعاقبة.
آلدار خليل