منذ تسلّم أردوغان الحكم عام 2003، ولا يترك مسؤولي الحزب الديمقراطي الكردستاني أي مناسبة لزيارة تركيا؛ لعقد اتفاقات لإعلاء شأنها اقتصادياً وسياسياً، بما يضر بالكرد في باقي أجزاء كردستان.
فقد جعل الديمقراطي الكردستاني من نفسه ألعوبة في يد القوى الإقليمية والدولية لتنفيذ مآربها، عكس الحركات الكردستانية الأخرى التي صنعت إرادة حرة مستقلة، والمراقب لهذه العلاقات سيدرك أن تركيا يغيظها استخدام اسم كردستان، لذلك يستخدم مصطلح “إقليم شمال العراق”.
في كل مرة يزور فيها مسؤولو الحزب الديمقراطي الكردستاني تركيا، يرتفع دوي القذائف والمدافع في كردستان والأحداث تشتعل من جديد، ونسمع أن طائرة تركية قصفت هنا وهناك، والقرابين هم الكرد.
على الرغم من هذه العلاقة الودية تفاجأ الحزب الديمقراطي الكردستاني عندما انقلب عليه نظيره التركي عند إعلان إجراء الاستفتاء خريف 2017، عندما وصف أردوغان ما قام به مسعود البارزاني بـ “الخيانة”.
وقتها هدد أردوغان بـ “أن كل الخيارات متاحة، من الإجراءات الاقتصادية إلى الخطوات العسكرية البرية والجوية” إن لم يعُد إلى رشده، لكن لم يتعظ من العداوة التي تكنها السلطات التركية للكرد، بل عملوا بكل جهد على تقوية علاقاتهم معه وكأن شيئا لم يكن.
في الوقت الذي كانت تشتد فيه المكائد والمؤامرات على شمال شرق سوريا بعد الهجوم على عفرين في آذار 2018، كانت تركيا تعرض خرائطها لإقامة منطقة احتلال “منطقة آمنة” كما كانت تزعم، التقى نيجيرفان البارزاني مع أردوغان منتصف عام 2019، وأعلن أن علاقاتهم ستدخل مرحلة جديدة.
لإنقاذ الشعب الكردي من المجازر، كانت هناك مبادرات ومساعٍ حثيثة من قبل قوات سوريا الديمقراطية عام 2020/2021، لتوحيد الحركة السياسية الكردية في شمال شرق سوريا، لكن سرعان ما قلب أعضاء ما يسمى المجلس الوطني الكردي المحسوب على الحزب الديمقراطي الكردستاني الطاولة، وتوجهوا إلى تركيا لأخذ التوجيهات.
في 19 شباط 2020، شكّل المجلس الوطني وفداً وحلّق إلى تركيا، للقاء وزير خارجية دولة الاحتلال التركي السابق مولود جاويش أوغلو، وتباهوا بالتقاط الصور معه.
حاولت تركيا إظهار المجلس على أنه “الممثل الشرعي للكرد السوريين” وتهجم على باقي القوى الكردية، بعد هذه الزيارة نُسفت كل المحاولات والجهود لبناء البيت الكردي، بعد ممارسات ارتكبها المجلس عقب عودته من تركيا.
وفي تشرين الثاني عام 2020، زار عبد الله كدو، أحد مسؤولي ما يسمى المجلس الوطني الكردي، مدينة عفرين المحتلة، واعتبر النشطاء الكرد الزيارة مثيرة للسخرية، بعد جولته بين مزارعي الزيتون وحقولهم في موسم القطاف، أولئك المزارعين البسطاء الذين لا يزالون عرضة الابتزاز وفرض الإتاوات ونهب محاصيلهم.
وعرّج الوفد على قبور بعض المرتزقة الذين قتلوا أثناء غزوهم لمدينة عفرين، وارتكبوا جرائم حرب وتطهير عرقي منظم بحق آلاف الكرد، واستقبالهم للمرتزقة أمثال أبو حاتم شقرا متزعم مرتزقة “أحرار الشام”، المتورط في سلسلة جرائم حرب وسرقة واغتيال للأمينة العامة لحزب سوريا المستقبل آنذاك، هفرين خلف في تشرين الأول 2019.
كما كان لافتاً أيضاً الاستقبال الحافل لرئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني لوفد من قتلة مهجري عفرين آذار 2021 في عقر داره في أربيل، للبحث في “تشكيل إدارة حقيقية لشرق الفرات” كما زعموا.
في 2021 رحب البارزاني بتوسيع شبكة علاقاته مع تركيا، وجرت لقاءات ثنائية بين البارزاني وسفير دولة الاحتلال التركي في العراق فاتح يلدز، وناقشا التطورات السياسية والعسكرية في المنطقة، كما أشاد السفير بموقف الحزب الديمقراطي الكردستاني في محاربة الحركات الكردية. في اللقاء قدّم البرزاني تعازيه للسفير إثر قتل عسكري لهم في معسكر بعشيقة، واتفقا على محاربة مشروع الإدارة الذاتية في شنكال.
ولم يُكتب النجاح للمخطط الذي نفذه إرهابيي داعش للهجوم على سجن الصناعة في مدينة الحسكة في 20 كانون الثاني 2022، بعد إعلان قوات سوريا الديمقراطية السيطرة على السجن من جديد.
كان دوي القذائف والصواريخ التركية، يُسمع من كامل شمال وشرق سوريا من ديرك وصولاً إلى منبج، لغض نظر المقاتلين في فتح جبهات أخرى والتخفيف عن الإرهابيين المحاصرين ضمن أسوار السجن.
وفي الوقت الذي كان فيه أهالي المنطقة يشيّعون شهداءهم، وبدلاً من تقديم السلطات في إقليم كردستان العراق العزاء لذوي شهداء حملة مطرقة الشعوب، ذهبت للقاء أعداء المنطقة، للاتفاق على إعداد مخططات جديدة.
ولم يكن الكرد في الإقليم بمنأى عن تداعيات هذه الزيارة، فقد قصفت تركيا ناحية شيلادزي في قضاء آمدية بدهوك، ومنطقة برادوست في ناحية سيدكان شمالي مدينة أربيل.
وكما أسلفنا، في كل مرة، وقبل أن تطأ أقدام مسؤولي الحزب الديمقراطي الكردستاني الأراضي التركية، يقوم الاحتلال بضرب مكتسبات الكرد. في 17 حزيران 2022، التقى نيجيرفان البارزاني مسؤولين أتراك لعقد صفقات سياسية وتجارية.
وأثناء اللقاءات السرية التي كانت تجري في الغرف المظلمة، قصفت المسيّرات التركية مجلس الشعب في ناحية سنوني في قضاء شنكال، نتج عن الهجوم استشهاد الطفل صالح شفان خضر ناسو وجده خضر ناسو، بالإضافة إلى إصابة 6 آخرين، بينهم الصحفي صالح برجَس وطفل آخر.
كما هاجمت مسيّرة تابعة لجيش الاحتلال التركي سيارة في منطقة كلار في محافظة السليمانية، مما تسبّب باستشهاد 4 أشخاص لحياتهم بينهم نائب الرئاسة المشتركة في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا فرهاد شبلي، كانوا يستقلون السيارة المستهدفة وإصابة شخص خامس.
في 4 تشرين الأول 2022، اغتيلت الناشطة والأكاديمية ناكهان آكارسال من قبل الاستخبارات التركية. عملية الاغتيال هذه حصلت أثناء وجود رئيس الاستخبارات التركية السابق هاكان فيدان في مدينة أربيل.
وعلى الرغم من عدم فوز أردوغان في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، هنأ نيجيرفان البارزاني أردوغان في 14 أيار، وظهر جلياً دعم الديمقراطي الكردستاني لحزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية سياسياً وإعلامياً.
ووصل نيجيرفان في 3 حزيران إلى أنقرة للمشاركة في تنصيب أردوغان وتهنئته بمناسبة فوزه، في حين كانت الطائرات التركية المسيّرة تستبيح الأجواء وتدك قرى إقليم كردستان العراق الآهلة بالسكان.
وفي الزيارة الرسمية الأخيرة التي وصل فيها رئيس حكومة الإقليم باشور مسرور البرزاني، إلى العاصمة التركية أنقرة التقى فيها أردوغان ورئيس الخارجية التركي الجديد ورئيس الاستخبارات الأسبق، هاكان فيدان.
وفي وقت كان يجري فيه اجتماعاً مغلقاً أمام وسائل الإعلام دون معرفة تفاصيله، استهدفت طائرة مسيّرة للاحتلال التركي سيارة على طريق القامشلي – تربه سبيه في شمال شرق سوريا، كانت تقلّ الرئيسة المشتركة لمجلس مقاطعة القامشلي يسرى درويش ونائبة الرئاسة المشتركة للمجلس ليمان شويش وعضو المجلس فرات توما، ما أدى لاستشهادهم، وإصابة كابي شمعون الرئيس المشترك للمجلس.