منذ اندلاع الشرارة الأولى للأزمة السورية في آذار 2011، كان لهذه الشرارة الشعبية هدف موحد بعيد عن كل العنصرية والطائفية ألا وهو التخلص من الظلم والعبودية التي تتبعها حكومة بشار الأسد بحق عموم السوريين.
في ذلك الوقت ومن كان يستنتج أن نظرة تركيا بعيدة المدى لهذه الدرجة، فقد دعم أردوغان هذه الأزمة وأعلن عن وقوفه لجانب الشعب السوري وأنه من حقه تقرير مصيره وتغيير حكومته ففتح بابه للاجئين ورحب بهم على الأراضي التركي ولكن ليس “لسواد أعينهم”، وحال الشعب السوري كحال أي شعب منتفض ينتظر أي دولة تسانده حتى يسند ظهره عليها، وللأسف كان مسند السوريين “تركيا”، فبعد أن وصل عدد اللاجئين السوريين على الأراضي التركية للملايين ماذا فعلت، أولاً استغلت وجودهم ضمن حدودها واشترطت على دول الاتحاد الأوروبي ملايين الدولارات مقابل إحكام حدودها وعدم السماح لهم للعبور لتلك الأراضي، وطبعاً كانت هذه الأموال تحت مسمى “المساعدات الإنسانية” التي لم يصل للسوريين منها شيء، تركيا بدورها حتماً تسعى لغاياتها ولا يهمها قطعاً هدر دماء السوريين، فاستلمت هذه المبالغ الهائلة من دول الاتحاد الأوروبي وأنشأت فصائل مسلحة تحت مسميات مختلفة “تحرير الشام”، “جبهة النصرة”، “الشرطة العسكرية” هذا بالشق العسكري أما عن السياسي فأنشأت “الحكومة السورية المؤقتة” و”الائتلاف السوري”، وكذلك “المجالس المحلية”، فانطلقت من تركيا بالفصائل السورية المسلحة لتحتل مناطق سوريا عدة في شمال غرب البلاد، ك “إدلب، عفرين، إعزاز، الباب، جرابلس، تل أبيض، وأخيراً رأس العين”، ولتحكم احتلالها على هذه المناطق وتفرض ثقافتها فهي تتطلع لتتريك المنطقة مستقبلاً، فحركت “الحكومة السورية المؤقتة” وكذلك “الائتلاف السوري” ليكونوا عين تركيا في المناطق السورية المحتلة.
وخلال طيلة سنوات الأزمة كانت المعارضة السورية “مسلمة رقابها” لتركيا على أساس أنها معادية للحكومة السورية وتسعى معهم حقاً للإطاحة بها، ولكن جاء الحديث عن التقارب ومحاولات تطبيع العلاقات بين سوريا وتركيا عالصاعقة التي هزت عرش المعارضة السورية.
وكشفت جهات مسؤولة من الطرف التركي أن العلاقات السورية التركية لم تنقطع طيلة سنوات الأزمة السورية، ما يؤكد أن المعارضة مجرد ورقة تستخدمها تركيا متى أرادت ولتحقيق مصالحها.
كثيرةٌ هي التقارير الإعلامية والحقوقية التي وثقت ظاهرة “المرتزقة السوريين” في الأشهر الماضية، وعلى الرغم من كشفها لتفاصيل
التجنيد وشروط القتال وآلياته، إلا أن جزءا من القصة بقي “طي
الكتمان”، في ظل حالة النكران التي اتبعتها الدول القائمة على هكذا عمليات، على رأسها تركيا وروسيا.
ومنذ مطلع عام 2020 ألقت الظاهرة المذكورة بظلالها السلبية على الصورة العامة للمقاتلين السوريين بجميع توجهاتهم، والذين شهدوا عدة تحولات خلال السنوات العشر الماضية، ولم تكن كفيلة بالتأسيس لأي حل سياسي أو عسكري.
وفي الوقت الذي يرى فيه مراقبون أن بروز حالة “الارتزاق” ترتبط بانسداد أفق الحل بشقيه (العسكري والسياسي)، يشير آخرون إلى أن تلك الظاهرة تعود بجزء كبير منها إلى حالة الفقر والحالة الاقتصادية المزرية التي باتت تخيم على شرائح كبيرة داخل المجتمع السوري.
العوامل التي غذّت ظاهرة “الارتزاق” استغلتها الدول الفاعلة في سوريا، ولعبت على وترها من أجل كسب الكم الأكبر من المقاتلين، لتصطاد بذلك حجرتها “عصفورين” لا يخرجان من إطار تحقيق “المصلحة
عند الحديث عن قصة “المرتزقة السوريين” هناك وجهتان للقتال لا غيرهما تصدرتا حديث الشارع السوري والعربي والعالمي، الأولى هي الساحة الليبية والثانية هي ساحة إقليم ناغورو قره باغ، الذي تنازعت عليه أذربيجان وأرمينيا.
وفي الفترة القصيرة الممتدة ما بين الأشهر الأخيرة من عام 2019 والأولى من 2020 وثقت منظمات حقوقية ووسائل إعلام خروج المئات من السوريين للقتال في ليبيا.
وانقسم هؤلاء ما بين مقاتلي “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا وبين المقاتلين وعناصر الميليشيات المحسوبين على نظام الأسد وروسيا، كـ”الفيلق الخامس” مثلا.
وهناك شريحة خرجت للقتال كـ”مرتزقة” من مدنيين لم يسبق وأن شاركوا في القتال. حيث اضطروا مؤخرا لحمل السلاح، بعد تقديم المغريات المادية لهم تحت غطاء “الشركات الأمنية”.