منذ تدخلها أول مرة لدعم نظام الأسد في الحرب الازمة السورية، واصلت إيران ترسيخ وجودها، حيث قامت بدعم العناصر الموالية لحكومة دمشق وشاركت بقوة في قمع الحراك الشعبي السوري. وفي حين يُشكل الوجود العسكري الإيراني النشط أحد أهم العناصر لاستعراض قوتها، نجحت طهران في الوقت عينه في تحقيق نجاحات كبيرة على الصعيد الاجتماعي والسياسي أيضًا، كما تلعب على الانقسامات الطائفية وتستقطب عدداً متزايداً من المجموعات المسلحة إلى فلكها.
ومن ثم، تجعل تلك الجهود من إيران القوة الأكثر فعالية في المشهد السوري، كما تُبرز أنشطتها الأخيرة في شرق سوريا نهجها متعدد الأوجه لتوسيع نفوذها بشكل أكبر.
ومنذ عام 2019 اتجهت لإبرام اتفاقيات ومذكرات تفاهم مع حكومة دمشق، لكنها لم تصل إلى مرحلة التنفيذ كما أعلن مسؤولون إيرانيون لأكثر من مرة، في السنوات الماضية.
ووفقا للمحللين أهداف إيران القريبة والبعيدة والمتعدّدة في سوريا ليس مخفيا، إلا أنّ أكثرها إلحاحا هو الطريق الاستراتيجي الذي يخترق العراق نحو سوريا ومن ثم لبنان، والذي يرمز إليه عبر العواصم بطريق طهران – بغداد – دمشق – بيروت، والذي تحتله إيران بشكل كامل كحزام بريّ لنقل الأسلحة والعتاد لحلفائها مثل حزب الله في لبنان والمجموعات في العراق.
وبحسب الوسائل الاعلامية أنّ إجمالي إنفاق إيران على مجموعاتها في سوريا والعراق واليمن بحوالي 16 مليار دولار سنويا، بينما ينفق النظام الإيراني حوالي 700 مليون دولار سنويًا لدعم مجموعات حزب الله اللبناني. وعلى الرغم من أن النموذج الإيراني المتمثل في إنشاء ودعم مجموعات بالوكالة يتسق عبر “الهلال الشيعي”، إلا أن طهران بدأت مؤخرًا في استخدام تكتيكات جديدة ومثيرة للقلق فقط تهدد بتوسيع نفوذها.
حيث هناك زيادة في حركة شحنات الأسلحة، فحسب المتابعة الميدانية وخاصة في غرب الفرات، هناك ازدياد شحن الأسلحة ونقلها من العراق صوب سوريا، وهو أمر يعكس ضعف الضربات الإسرائيلية والأمريكية ضدّ إيران ومجموعاتها.
وبحسب المصادر تحاول إيران وحكومة دمشق خلق الفتنة وزعزعة الاستقرار والأمان في مناطق شمال وشرق سوريا، حيث تهدف ايران إلى التغطية على حركة شحنات الأسلحة الضخمة، كما أنّها تساهم في إضعاف الولايات المتحدة وحلفائها وإثارة القلاقل في مناطق تواجدها.
وبحسب المصادر المحلية، مجدداً تعود القواعد الأمريكية في شرق سوريا، لتكونَ هدفاً لهجمات صاروخية وأخرى بطائرات مسيّرة، تنفذها المجموعات التابعة لإيران، والتي سبق لها تنفيذُ مثل هذه الاستهدافات خلال الأشهر الماضية على خلفية اندلاع حرب غزة في تشرين الأول / أكتوبر الماضي.
هجومٌ هو الثالث من نوعه خلال أقل من ثمان وأربعين ساعة، تعرضت له القاعدةُ الأمريكية في حقل “كونيكو” للغاز بريف دير الزور شرقي سوريا.
وردّت عليه القواتُ الأمريكية المتمركزةُ في القاعدة، من خلال قصف مواقع لقوات حكومة دمشق ومجموعات إيران في منطقة الجبل قرب القرى السبع، تزامناً مع إطلاق قنابلَ ضوئية في المنطقة، بحسب ما ذكره المرصد السوري.
وجدير بالذكر أنّ المجموعات الإيرانية المختلفة تمتلك ما يقارب من مائة ألف عنصر لها على أقل تقدير في سوريا يتوزّعون في سبعين مجموعة بسوريا كما صرّح قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي.
تتمثّل استراتيجية إيران في سوريا على عدة مستويات تعمل عليها منذ دخولها في سوريا، وهي استراتيجيات عسكرية، وسياسية، واقتصادية، وطائفية، وثقافية.
واشارت التقارير الاعلامية بأن الأهمية الاستراتيجية لإيران عبر شبكاتها ومجموعاتها تتمثّل باستمرارية الممر البري من طهران إلى بيروت، والسيطرة على شواطئ البحر المتوسط، وعقد اتفاقيات مع حكومة دمشق لعقود قادمة، والسيطرة على قطاعات الصحة والكهرباء والغذاء والتمويل، وتوسيع نطاق الدعم الإيراني “الاستشاري والمالي والعسكري” حيث أنّ قيمة التجارة الإيرانية في سوريا بلغت 869 مليار دولار.