كيف غيـ.ـرت منبج المعـ.ـادلة السورية وخـ.ـطط تركيا؟

تقع مدينة منبج على الطريق الدولي M4 الذي يربط مدن الشمال والشرق والغرب السوري ببعضها البعض، تبعد عن الضفة الغربية لنهر الفرات 25 كيلو متراً، وعن مدينة حلب 75 كيلو متراً.
كان عدد سكانها وفق إحصاء حكومة دمشق لعام 2004 يبلغ 100 ألف نسمة، لكن هذا العدد تضاعف عقب تحريرها من داعش من قبل قوات مجلس منبج العسكري في آب عام 2016، بعد أن عاد إليها أهلها المهجرون، وأصبحت قبلة للسوريين الفارين من هول الحرب التي عصفت بالبلاد.
موقع منبج الذي يتوسط مدن الشمال السوري، ومرور الطريق الدولي عبرها، والكثافة السكانية فيها، وعلى اعتبار أنها نقطة وصل بين مدن الشرق والغرب السوري، يجعل منها ذات أهمية بالغة على الساحة السورية.
بعد اندلاع الأزمة السورية، شهدت منبج أواخر عام 2012 وحتى منتصف عام 2016، تغييراً مستمراً في هوية القوى التي سيطرت على المدينة وريفها.
فالبداية كانت من الجماعات التي أطلقت على نفسها مسمى “الجيش الحر”، ثم جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام حالياً) وكان آخرها تنظيم داعش الذين احتلوا منبج لأكثر من عامين ونصف، في الفترة الممتدة فيما بين عام 2014 وحتى 2016.
في الـ 15 من آب/ أغسطس، أعلنت قوات مجلس منبج العسكري تحرير المدينة من داعش بدعم من قوات سوريا الديمقراطية، وكان لتحريرها وهزيمة داعش فيها أثر كبير على عمليات محاربة داعش في سوريا والعراق، وذلك لعدة أسباب:
كانت منبج تعرف بـ “عاصمة الأجانب”، وهم المرتزقة القادمون من خارج سوريا والعراق للانتساب إلى داعش عبر الأراضي التركية.
من اسطنبول وصولاً إلى ديلوك (عينتاب) ثم الحدود التركية السورية، كانت مدينة منبج هي نقطة التجمع لكل القادمين من الخارج، ومنها يتم توزيعهم على مناطق احتلال داعش في سوريا ومنها إلى العراق.
لكن هزيمة داعش التي تمت على يد قوات سوريا الديمقراطية، أفشلت هذه الخطط التركية، وخاصة في منبج، إذ كانت الهزيمة محورية، فبتحرير منبج وانتزاعها من داعش، جرى فصل مناطق احتلال داعش عن الحدود التركية التي لطالما كانت ملجأ المرتزقة الأول فتغيرت المعادلة في شمال سوريا، ولم تأتي حرب الوكالة التي خاضتها تركيا بالثمار المرجوة.
وبحسب التقارير الاعلامية كان يعني احتلال داعش لمنبج لفترة أطول أن يكون هنالك المزيد من الدعم التركي للمرتزقة وبالتالي ابتلاع المزيد من الأراضي السورية والعراقية، إضافة إلى ذلك كان يعني وصول المزيد من الأجانب، وخلق مزيد من المخاطر على المنطقة.
لكن بعد سنوات من التحرير، لا تزال المدينة تواجه خطر الاحتلال التركي الذي يسعى إلى تطبيق المخططات التي عجز داعش عن تطبيقها، في ظل حشودٍ عسكرية لمرتزقته، وحربٍ استخباراتية وإعلامية تنتهجها تركيا ضد الإدارة الذاتية المبنية على تكاتف المكونات.
الدعم التركي لداعش لوجستياً ومعنوياً كان (ولا يزال) ظاهراً، فكانت “مضافات”داعش تنتشر في المدن التركية وتعمل على استقطاب المنتسبين للمرتزقة علانية وعلى مرأى السلطات والاستخبارات التركية، كما أن الحدود التركية كانت مفتوحة على مصراعيها أمام المقبلين على الانتساب لداعش، وأيضاً أمام شحنات الأسلحة وجرحى المرتزقة، وحتى شحنات النفط المسروقة من آبار الجزيرة السورية.
اشارت المصادر بأن الدعم التركي لداعش عبر الحدود وموقع منبج الهام أكسب المرتزقة قدرات كبيرة ساعدت في احتلاله لمساحات واسعة من سوريا والعراق وتهديد العالم، فضلاً عن ارتكاب مجازر وإبادة جماعية بحق السكان في المناطق التي وصلها.
استخدمت تركيا داعش لتدمير البنية السورية من جميع الجوانب، كما وجهت المرتزقة إلى المناطق التي تحررت وأُعلِنت فيها الإدارة الذاتية، وكان الهدف التركي هو إبادة شعب المنطقة من الكرد خاصة، وتهجير مَن تبقى منهم، وضرب هذا المشروع الديمقراطي الذي كان يصعد إلى الواجهة.
بعد هزيمة داعش تدخلت تركيا بنفسها واحتلت مساحات واسعة من الأراضي السورية، وبدأت على الفور بعمليات تغيير ديمغرافي في مدن جرابلس، الراعي، إعزاز، الباب، عفرين، كري سبي/تل أبيض، سري كانية/رأس العين.
اكد المحللون بأن السعي التركي إلى تغيير هوية المنطقة وتحويلها إلى مدن تركية كان واضحاً منذ البداية، ما يظهر خطر الخطط التركية على الأراضي السورية التي تعرضت سيادتها للانتهاك وباتت مهددة بالتقسيم.
في وسط كل ذلك، تعتبر منبج مفتاحاً هاماً بالنسبة لتركيا، إذ أن موقعها الجغرافي الذي يصل مدن شمال غرب سوريا بشمال شرقها، ووقوعها على الطريق الدولي M4 يكسبها الكثير من الأهمية والقيمة لدى كل الأطراف المتصارعة على الأراضي السورية.
ترى تركيا في احتلال منبج إحكام محاصرة مناطق شمال وشرق سوريا من الغرب، وخنقها اقتصادياً، كما أن مساحة المدينة الواسعة تتيح لتركيا مجالاً أكبر لإسكان المزيد من السوريين الذي سبق وأن هجروا من مناطقهم بصفقات روسية – تركية، وبذلك ستواصل تركيا إكمال أركان مشروع التغيير الديمغرافي وتوطين اللاجئين السوريين في غير مناطقهم.
كما أن الهدف الأول والأخير لتركيا اليوم يبدو واضحاً، إذ تجهد تركيا للوصول- كمرحلة أولى- إلى حدود الميثاق الملي، والتقدم صوب منبج يخدم هذا الهدف، بالتالي سيتمكن أردوغان من إكمال مساعي بناء دولة عثمانية جديدة.
اليوم، تركيا تحاول إعادة تحقيق ما خسره داعش، وذلك يؤدي بطبيعة الحال إلى تحقيق الحلم التركي بالتمدد داخل الأراضي السورية وتوسيع رقعة المناطق المحتلة، وتحقيق “الميثاق الملّي”.
حيث تعتمد تركيا في حربها على مرتزقة كان الكثير منهم عناصراً وأمراء في صفوف داعش، واليوم لا تختلف ممارساتهم كثيراً عن داعش بل وتزداد سوءاً مع مرور الأيام.
التقارير الواردة من المناطق السورية التي تحلتها تركيا تظهر أن القتل والاقتتال والسرقة والسلب والفوضى وانعدام الأمن والاستقرار أصبحت من المشاهد اليومية للسكان الذين تبقوا في تلك المناطق.