أظهرت وثائق سرية حصل عليها موقع “نوردك مونيتور”، أن وكالة الاستخبارات التركية نقلت سرا مقاتلين جهاديين عبر الحدود التركية السورية للتأثير على مصير الصراع في البلد المجاور. العملية السرية التي تمت قبل أربعة أعوام بالضبط، تم الكشف عنها عندما تم استدعاء وحدات الشرطة المحلية للبحث عن حافلتين تستخدمان في نقل المقاتلين الجهاديين المسلحين من نقطة على الحدود السورية إلى نقطة أخرى لتغيير الديناميكيات على الأرض من الجانب السوري.
نصت الوثيقة السرية المكونة من صفحتين والتي وقع عليها نائب رئيس وكالة الاستخبارات التركية إسماعيل هاككي موسى، الذي أصبح الآن سفيرا لتركيا لدى فرنسا، على أن المعلومات حول الجهاديين المنقولين في القضية رقم 2014/53 هي “سر للدولة” لا ينبغي نشره.
تم نقل المقاتلين عبر الحدود في ليلة 9 كانون الثاني/ يناير 2014، في حافلات متعاقدة مع هيئة الاستخبارات الوطنية، التي اعتقدت أن كل شيء قد سار بسلاسة مع عدم وجود أعلام حمراء في العملية غير القانونية. ووصلوا إلى البوابة الحدودية في بلدة “أكجاكلي” التركية في مقاطعة شانلي أورفا، ومروا عبر البوابة دون أي فحص بمساعدة عملاء من الاستخبارات التركية في سيارة مرافقة. وانتهى تفريغ المقاتلين والأسلحة والذخيرة في حوالي الساعة الخامسة صباحاً. وأُمر السائقون بالعودة إلى تركيا.
نقلت الحافلتان المستأجرين من قبل وكالة الاستخبارات التركية الجهاديين عبر تركيا. وفي اليوم التالي، تلقت الشرطة بلاغا تزعم أن الحافلتين كانتا متوقفتان في منطقة استراحة على طريق سريع، ومتورطتان في تهريب المخدرات، ما أدى إلى غارة وتفتيش الحافلات. ولم يتم العثور على أي مخدرات خلال عملية البحث التي جرت على طريق سريع في “أنجرليك” بمقاطعة “أضنة”، لكن الشرطة عثرت على 40 صندوقا من الذخيرة للرشاشات الثقيلة من نوع (PKM) في الحافلات.
تم اكتشاف ذخيرة مدفع رشاش ثقيل من قبل الشرطة في منطقة الشحن التابعة للحافلتين. وقد تم ترك تلك الذخائر على الحافلات بعد أن تم إنزال الجهاديين في سوريا.
اعتقل السائقين (شاهين غوفين ميز 37، وأسعد لطفي أير 48)، وكذلك اعتُقل مالك شركة الحافلات ميهراك ساري 42، في إطار التحقيق رقم 2014/53. في شهاداتهم، شهد صاحب الشركة والسائقون بأن الحافلات استأجرتها الاستخبارات التركية، وأن سيارة مرافقة كان يقودها عملاء من الاستخبارات رافقت الحافلات في طريقها إلى سوريا، وفي العودة، رافقت سيارتان تابعتان للاستخبارات التركية الحافلات.
في شهادته، قال “ساري” إن موظفًا حكوميًا يدعى “إيرديم”، وهو اسم استخدمه على الأرجح أحد عملاء الاستخبارات التركية، اتصل به يوم 9 كانون الثاني/يناير 2014 في الساعة 5 مساءً. وطلبت منه نقل اللاجئين من “ريحانلي” إلى “أكجاكلي”، ثم اتصل بالسائقين ونظم عملية النقل. كما أكد “أسعد” ما قاله رئيسه في شهادتين منفصلتين، قائلاً إنه بعد تلقي توجيهات رئيسه، اتصل به ضابط مخابرات يدعى “سالم”، وطلب منه الذهاب إلى “ريحانلي”، أما السائق الآخر فأدلى أيضا بشهادة مماثلة.
واعترف السائقان بأنهما قاما بأدوار مماثلة من قبل، وأنهما نقلا الذخيرة والمقاتلين الجهاديين إلى معسكر من الجانب السوري تديره الجماعات الجهادية. وقال السائقان إنهما “لم يخطآ”، وبررا تورطهما في نقل المسلحين بدعوى أنهما “يقومان بواجبهما تجاه الدولة”.
وشهد السائقان على كيفية قيام الاستخبارات التركية بتنسيق نقل الجهاديين عبر الأراضي التركية إلى سوريا. ووفقاً للإفادات التي أدلى بها المشتبه بهم، نقلت وزارة الدفاع 72 جهادياً من نقطة حدودية بالقرب من قرية “بوكولميز” مباشرة على الجانب الآخر من مخيم “أطمة” للاجئين على الجانب السوري من الحدود إلى بلدة “أكجاكلي” التركية. بعد السفر عبر الأراضي التركية، عاد المسلحون إلى سوريا لمساعدة الجماعات الجهادية على السيطرة على “تل آبيض”.
لم يكن بالإمكان نقل المقاتلين عبر الأراضي السورية، لأن الجهاديين لم يكن لهم سيطرة على منطقة كبيرة بين “أطمة” و”تل آبيض”. في ذلك الوقت، سيطرت وحدات حماية الشعب الكردية (YPG) على الأراضي السورية بالقرب من “كوباني”، وهي بلدة ذات أغلبية كردية قريبة من الحدود السورية مع تركيا.
أطلق المدعي العام التركي تحقيقاً جنائياً بحق السائق ومالك شركة الحافلات، كما أراد أن يلاحق ضباط المخابرات لكنه تم حذف أسمائهم فجأة من القضية. المدعي العام مصطفى سرلي، الذي أدار التحقيق وأمر بإجراء فحص ميداني للأماكن التي تم القبض فيها على الجهاديين ومواقع إنزالهم، سرعان ما تم عزله عن التحقيق في القضية. ويبدو أن حكومة “أردوغان” لم ترغب في أن يعمد المدعي العام إلى التعمق أكثر وأن يوثق جميع الأدلة المتعلقة بمحاكمة تكشف عن كيفية قيام وكالة المخابرات بإدارة عملية سرية لتمكين الجماعات الجهادية.
كومالي تولو المدعي العام الجديد في القضية، سارع في التحقيق، وقلل من أهميته وتم حفظ التحقيق على الرغم من الأدلة التي تدين جهاز المخابرات التركي. في القرار رقم 2014/28، أسقط “تولو” الاتهامات، وهو ما منع الادعاء العام من المضي قدما في الاتهام والمحاكمة والإدانة، وقال إنه لا يوجد سبب لمواصلة ذلك.
رغم ذلك، ساعدت شهادة السائقين في توثيق كيفية مساعدة حكومة “أردوغان” وحرصها على تعزيز قوة “داعش” في العراق والشام، وجماعات “القاعدة”. تمكن “سرلي” من تضمين بيانات مسجلة على شريط فيديو من قبل الثلاثة المشتبه بهم في ملف القضية، ووفقاً لتلك البيانات، فإن المبنى في سوريا الذي شهد به السائقون كان نقطة الانطلاق للذخيرة والمقاتلين الذين رفعوا علم “داعش” ورسائل “جبهة النصرة”.
وأشار أحد السائقين إلى أنه قبل أن تتم الرحلة، صعد رجل تركي يحمل مترجمًا عربيًا (على الأرجح عميل للاستخبارات التركية) إلى الحافلة، وقال للمسافرين إن الرحلة طويلة وإنهم لن يتوقفوا إلا عند الضرورة القصوى. وقال: “علينا أن ننهي هذا الأمر قبل شروق الشمس”. أقلعت الحافلات من “ريحانلي” في حوالي الساعة الواحدة صباحاً ووصلت إلى “أكجاكلي” في حوالي الساعة الخامسة صباحاً. وتبلغ المسافة بين النقطتين على الطريق السريع “أضنة-غازي عنتاب” حوالي 400 كيلومتر.
يشرح أحد السائقين في الفيديو: “هذا هو المكان الذي عبرنا الحدود، باتباع المرافقين. انتظرنا في المقصورة وأطفئنا جميع الأضواء في السيارات. جاء أشخاص من هناك من وسط الظلام، فتحوا أماكن التخزين وبدأوا في تفريغ الأسلحة والذخائر”. وتابع السائق: “لم يسمحوا لنا بمغادرة السيارات بمجرد وصولنا إلى أكجاكلي. بقي واحد من المقاتلين إلى جانبنا. جاءت سيارة أخرى ووقفت خلف حافلتي، وبدأوا في نقل الحمولة من سيارتي إلى الآخرى. كان هناك 46 من المسلحين في الحافلة، وعلمت فيما بعد أن هناك 27 في الحافلة الأخرى. لقد كانوا رجال ذوي لحية ومظهر قذر”.
كما ذكر أحد السائقين أن جميع الركاب كانوا من أصل عربي، وقال إن المتشددين لم يكن لديهم أي شيء في أيديهم عندما وصلوا على الحافلات. “لم يسمحوا لنا بمغادرة السيارات أو تشغيل الأضواء. لم يسمحوا حتى بالتدخين. وقالوا لنا (دخنوا في السيارة)، ثم شرعنا في نقلهم إلى أكجاكلي”.
وقال أحد السائقين للمحققين إنهم دخلوا سوريا من البوابة الحدودية اليسرى في “أكجاكلي”، وبعد أن عبروا إلى سوريا قادوا ما بين 15 إلى 20 متراً فقط قبل أن يأتي عملاء الاستخبارات التركية، للإشراف على تفريغ الحافلات من قبل المسلحين الذين تم نقلتهم. جاء عشرون مدنياً لا أعرف من هم للمشاركة في تفريغ الحمولة، ثم قالوا: “لقد أنجزنا مهمتنا”.
كما لو أن سطوة هذه القضية الجنائية لم تكن كافية، فقد مررت حكومة “أردوغان” على أمر حظر لحظر كل التغطية الصحفية للحادث وملاحقة المدعين العامين والشرطة الذين قاموا بالتحقيق فيها. تم إطلاق تحقيق جديد للتأكد من هوية المخبر الذي قام بإبلاغ الشرطة في “أضنة”. في 4 فبراير/شباط 2014، كتب مدعي عام آخر يدعى علي دوغان، يطلب من وكالة الاستخبارات التركية التعرف على الشخص الذي أبلغ عن الحادثة. كان التحقيق يهدف إلى تحديد هوية المبلغين وفقا لملف القضية رقم 2014/117. ورداً على الرسالة، قالت الاستخبارات التركية إنها قامت بالتحقيق، لكنها لم تستطع تحديد الشخص الذي كان قد أخبر الشرطة عن الحافلات.
المصدر: نورديك مونيتور السويدية