لا يمكن للتاريخ أن ينسى أفضال إيران على تنظيم القاعدة وما تفرّع عنها من تنظيمات جديدة، وكأن التنظيم يتكاثر بالانشطار؛ حيث بات جرثومة تتواجد في مناطق كثيرة من هذا العالم، ويدعي كلّ فرع استقلاليته عن بقية الفروع للدرجة التي تؤدي إلى اندلاع حروب بينهم، لكن وفي الحقيقة هم شركاء تجمعهم المصالح التي يتشاكسون لأجل الحصول على أفضل نسخةٍ منها.
تقاتل “هيئة تحرير الشام” النصرة سابقاً المليشيات الإيرانية في الشمال السوري، كما تتصدى الهيئة في الوقت ذاته لأختها الكبرى “تنظيم داعش” داخل مناطق سيطرتها المحدودة في محافظة إدلب شماليّ سوريا، ومن المعروف أن التنظيم قد انكسرت سطوته بحرب الباغوز الأخيرة في آذار الماضي، حيث سيطرت قوات “قسد” على عاصمة الخلافة المزعومة مدينة “الرقة” التاريخية، وباتت فلوله أكثر انتقامية وإجراماً من التنظيم ذاته.
تتخذ هيئة تحرير الشام بزعامة “أبو محمد الجولاني” من ملاحقة خلايا “داعش” المتناثرة في إدلب ذريعة لتسويغ انتشارها، بعد التحجج بمهمة القضاء على التطرف الذي من شأنه أن يؤدي إلى حرب كارثية في المنطقة الأكثر اكتظاظاً في سوريا، علماً أنها تساوي التنظيم وربما تفوقه في الانتهاكات.
فيما مضى، كانت فلول التنظيم المقبوض عليهم في مناطق سيطرة الهيئة يخضعون لدورة شرعية، ومن ثم محاكمة قضائية وفق الشريعة الإسلامية، وبناءً على حكم القاضي يُنفذ فيهم الحكم؛ لكن اليوم وبسبب كثرتهم فإن جنود الهيئة وعناصرها، اليوم، يقومون مباشرة بقتل كل من يتم التأكد من ولائه وانتسابه لتنظيم “داعش” دون إخضاعه لدورة شرعية أو عرضه على محكمة إسلامية، كما كانوا يدعون ذلك سابقا.
مصادر أكدت إن أعداد المقبوضين عليهم من عناصر “داعش” كثيرة جداً، وأكثر مما يظهر على الإعلام، وجميع المقبوض عليهم يتم قتلهم مباشرةً، هكذا يُشيع أنصار الهيئة حول مصير “الدواعش” بعد القبض عليهم.
في عام 2015 كشفت صحيفة الشرق الأوسط في تحقيق استقصائي لها عن وجود ارتباط وثيق بين إيران وتنظيم داعش وذلك قبل إعلان فك الارتباط بين النصرة- التي أصبحت فيما بعد هيئة تحرير الشام-.
وقالت صحيفة “الشرق الأوسط” إنها علمت ومن مصادر مطلعة أن إيران كانت ولا تزال مكاناً حيوياً لإدارة أعمال تنظيم القاعدة منذ عام 2007، وأشارت المصادر إلى أن قياديين في تنظيم القاعدة يديرون عملية التنسيق في استقبال المقاتلين من السعودية، وآخرين يملكون تسهيلات مالية عالية لسفر المقاتلين إلى مناطق القتال الأخرى بعلم السلطات الإيرانية، ومنهم أولمزون أحمدوفيتش صادقييف، المعروف بـ”جعفر الأوزبكي”، وعز الدين عبد العزيز خليل المعروف بـ”زين العابدين السوري”، والسعودي صالح القرعاوي المعروف بـ”نجم الخير”.
وكشفت الصحيفة عن مصادرها علاقة إيران مع تنظيم القاعدة وجبهة النصرة، إذ إن أولمزون أحمدوفيتش صادقييف، المعروف بـ”جعفر الأوزبكي”، كان يعد من أهم عناصر “القاعدة” في إيران، ويملك تسهيلات عالية، نتيجة علاقته مع مسؤولين إيرانيين، لا سيما أن وزارة الخزانة الأميركية أكدت أن جعفر الأوزبكي يعمل “بعلم السلطات الإيرانية” على تجنيد مقاتلين لصالح جبهة النصرة –هيئة تحرير الشام حالياً-، ويدير شبكة مسؤولة عن نقل الأموال والمقاتلين الأجانب عبر تركيا.
و تركيا هي الوسيط بين إيران والجولاني، إما عبر أراضيها أو عبر مسؤوليها، فخلف الأبواب المغلقة في الاجتماعات السياسية لا أحد يدري ما هي الصفقات التي تدار ومن يديرها بالتحديد.
اضافة المصادر أن صفقة سياسية وسلطة عسكرية أُبرمت بين الجولاني وطهران، وفق معادلة “الأسرى الأحوازيون مقابل إدلب”، لذا فإن عدد المقاتلين الإيرانيين في معارك إدلب الأخيرة كان أقل، واعتمدت إيران على الميليشيات الصغيرة المحلية غير التابعة بشكل مباشر للحرس الثوري الإيراني، بينما نزل الضباط الروس إلى ميدان المعركة.
فيما لا يستبعد خبراء ومحللون ضلوع تركيا فعلياً بدور الوساطة، إلاّ أن الدولتين تظهران اهتماماً كبيراً باستقطباب ما يسمى بـ “الجهاد” لصالحهما.