وجاء في نص البيان:
“بمناسبة حلول اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، والذي يصادف 25 تشرين الثاني 2018، نستذكر كل النساء اللواتي قَضَين في مواجهة العنف الذكوري منذ خمسة آلاف سنة من تاريخ النظام الأبوي، وعلى رأسهن الأخوات ميرابال، اللواتي قُتِلن بوحشية أثناء تصديهن للنظام الديكتاتوري الفاشي في جمهورية الدومينيكان. ونؤكد على أن المناضلات اللواتي قُتِلن في السنوات الأخيرة حصيلة عنف الدولة الذكورية هنّ نجوم تضيء دروبنا، بدءاً من سكينة جانسيز وحتى بيرتا كاسيريس، ومن مارييل فرانكو إلى أوليفيا أريفالو لوماس، ومن شيماء الصباغ إلى سعاد العلي، ومن ميا مانوليتا ماسكاريناس-جرين إلى روزالين ألبانييل إيفارا، ومن جوري لانكيش إلى تيريزا سكالتسو.
العنف بدأ باستغلال المرأة
يعود العنف ضد المرأة إلى التاريخ السحيق، وهو أفضل تعبير عن ماهية النظام الذكوري. فتاريخ العنف يتزامن مع تاريخ استغلال المرأة التي تُشَكّل أول طبقة مستعمَرة في التاريخ. أما الأشكال الأخرى للاستغلال والاستعباد والتحكم والعنف والقمع، فجميعها بدأت بعد استغلال المرأة، أي أثناء الانتقال نحو المدنية الدولتية. يرتبط العنف مباشرةً بالسلطة، ويُستَحدَث على الدوام بأيديولوجيتها الجنسوية. وعليه، فالعنف ضد المرأة ليس عنفاً عادياً، بل إنه أكثر أشكال العنف جذريةً ومضاعفةً وتنوعاً ومنهجيةً.
العنف الذكوري مرتبط بأزمة النظام القائم
لا يمكننا تناول العنف الذكوري، الذي يتضاعف في يومنا ويرتقي إلى حالة حربٍ ممنهجة، بنحو منفصل عن أزمة النظام الأبوي. وعلى النقيض، فهذا النظام يُكثّف من هجماته المتعددة والدقيقة ضد المرأة بحثاً عن مَنفَذ يُخرِجه من أزماته. إذ يوسّع آفاق نظامه في محاولة منه لعرقلة نضال المرأة المتصاعد في عموم العالم بحثاً عن الحرية والمساواة. بالتالي، ليس صدفةً أبداً أن يتربع على عرش السلطةِ حُكّامٌ يُمثّلون الذهنية الذكورية بصورة مباشرة وفاقعة (أردوغان في تركيا، ترامب في أمريكا، بوتين في روسيا، بولسونارو في البرازيل، دوتيرتي في الفيليبين… الخ)، بل إنهم خير مثال على الواقع الذي نعيشه. لكن المرأة بالمقابل هي أكثر مَن يناهض النظامَ الذكوري السلطوي الاستغلالي الرأسمالي الذي يمثله هؤلاء، وأكثر مَن يهدد عرشَهم ويتكفل بريادة المقاومة ضد النظام الأبوي.
المرأة الكردية تتصدى للفاشية
إننا كنساء كردستان نخوض مقاومة باسلة ضد أكثر الهجمات وحشيةً وفظاظةً، والتي يشنها النظام الذكوري ضد المرأة. وما نزال مثابرات على ريادة التصدي المظفَّر لإبادة المرأة وللهجمات البربرية التي شنتها مرتزقة داعش في روجافا (شمال سوريا) وشنكال (سنجار) وباشور (شمال العراق). كما إننا في الصف الأول من جبهة النضال ضد فاشية الدولة التركية بزعامة أردوغان الديكتاتور في باكور وتركيا. علاوةً على أن فاشية أردوغان قد حظيت بالمصادقة الصامتة لدول المنطقة والغرب على احتلال مقاطعة عفرين في روجافا بمشاركة مجموعات المرتزقة الجهادية، لتُوَسّع بذلك نطاق النظام الإرهابي المعادي للمرأة. وعليه، فإننا نناشد نساء العالم للتضامن معنا في حملة “أيتها النساء انتفضن من أجل عفرين “، وندعوهن لضمّ صوتهن إلى صوتنا ومشاطرة قوتهن مع قوتنا، كي ننهي معاً احتلال عفرين من قِبَل نظام أردوغان الذي يمثل قمةَ الفاشية في يومنا.
نحن أقوى من السابق
رغم أن النظام الذكوري أكثر وحشيةً من السابق، إلا إننا كنساء أيضاً أكثر قوةً وعزماً وإرادةً وصوتاً، وأكثر عدداً وإصراراً على الحرية من أي وقت مضى. فنحن “وحدات حماية المرأة YPJ” التي سدت الطريق أمام داعش والجيش التركي في كردستان؛ ونحن الجريئات الرائدات لـ”مسيرة العودة” العظمى في الذكرى المشؤومة السبعين على “النكبة” في فلسطين؛ ونحن أنصار “الشال الأخضر” ملأنا شوارع الأرجنتين تحت شعار “جسدي مُلكي” من أجل تشريع حق الإجهاض؛ ونحن مَن فضح نظام الاغتصاب والاعتداء الجنسي في أمريكا مهما كان الثمن بإطلاق حملة “أنا ايضاً “؛ ونحن حركة “ني أونا مينوس ” المتمردة على جنايات قتل المرأة، والتي وصلت حد الإبادة في المكسيك؛ ونحن اليد المُمسكة بالمنديل الأبيض الذي أَسقَط قناع النظام المعادي للمرأة في إيران؛ ونحن أصحاب القبّعات الحُمر ملأنا شوارع أفريقيا الجنوبية تحت شعار “عطِّلوا كل شيء “؛ ونحن “العصابة الوردية” التي طوّرت الدفاع الذاتي النسائي التكافلي في وجه النظام الذكوري في الهند؛ ونحن الحركة الفامينية صاحبة “البالونات الوردية”، والتي تمردت على التمييز العنصري والعرقي في السويد. إننا ملايين النساء اللواتي يَخُضن النضال من أجل هدم النظام الذكوري الجنسوي المعادي للمرأة، وإقامة نظام بديل يرتكز على الحرية والعدالة والمساواة.
الأيديولوجيا الجنسوية تُنتج العنف
إن العنف ضد المرأة هو انعكاس للأيديولوجيا الجنسوية. لذا، يجب التركيز على مكافحة الذهنية الذكورية والجنسوية الاجتماعية لدى مناهضة العنف. فمن دون النضال الحثيث الفعال ضد هذه الذهنية التي تنتج شتى أنواع العنف، لا يمكننا القضاء على العنف. علينا تحليل العنف ضد المرأة بأبعاده التاريخية والاجتماعية الممنهجة، والغوص في جذوره، وتحديد السُّبُل والأساليب اللازمة من أجل خوض نضال مثمر ونافذ ضده.
علينا تطوير الدفاع الذاتي للمرأة
علينا تجاوز الأيديولوجيا الجنسوية والذهنية الذكورية، واتخاذ التدابير وتحديد الآليات للقضاء على العنف. ونحن كـ”حركة حرية المرأة الكردستانية” نشعر من خلال نضالنا أيضاً بأهمية تداخُل النضالَين الفكري-النظري والعملي. فقد صاغ قائدنا عبدالله أوجلان تحليلات نادرة حول الذهنية الذكورية كنظام، ونحن بالمقابل نثابر على تمكين الدفاع الذاتي للمرأة في كافة ميادين الحياة، بحيث لا نَحصره في حماية الذات تجاه الهجمات الجسدية فقط، بل ندرك أنه يعني الدفاع الفعال عن إرادة المرأة وأفكارها ومطالبها وآمالها وتجاربها ومساهماتها، أي عن وجودها الحر، تجاه شتى الهجمات والعراقيل التي تعترض سبيلها.
لنُصَعّد من النضال المنظّم المشترك
لا يكفي القول “لا للعنف ضد المرأة”. ولا يمكن اجتثاث العنف الذكوري من الجذور إلا بخوض نضال حرية المرأة بنحوٍ متكامل ضد النظام الذكوري الذي ينظّم ذاته عالمياً بحيث يكاد لم يَبقَ مجالٌ في الحياة إلا وتغلغل فيه. والحال هذه، فنحن كحركات نسائية منتشرة في مختلف مناطق العالم، بحاجةٍ ماسة إلى النضال المنظّم المشترك. فالنظام السائد لا يعرف الفراغ. وعلينا نحن أيضاً أن نُصَعّد نضالنا المشترك انطلاقاً من هوياتنا المحلية الخاصة بنا، وأن نرتقي بها إلى المستوى العالمي كي نتمكن من زيادة التصدعات في النظام القائم ومن تمكين بدائلنا الخاصة بنا والقادرة على تجاوز الذهنية الجنسوية للنظام الذكوري المعادي للمرأة.
لنُحطّم الحدود في نضالنا
والحال هذه، فلنوحّد قوانا تحت مظلة “الكونفدرالية الديمقراطية النسائية العالمية”، ولنصعّد النضال المشترك ضد النظام الأبوي انطلاقاً من التحالفات الديمقراطية. ولنجعل من كل الأيام مناسَبةً لمناهضة العنف ضد المرأة، ولنحوّل كل لحظاتنا إلى فرص لتكريس الحياة الحرة بإرادة المرأة. لنمزّق الحدود التي يفرضها علينا النظام، لأن عالَم المشاعر والأفكار لدى المرأةِ وتعطشها للحرية أمورٌ عابرةٌ للحدود. بالتالي، لنُحَطّم الحدود في نضالنا، ولنشعر بأفراح وأتراح بعضنا بعضاً، ولنقاوِم معاً في سبيل الإكثار من جماليات الحياة والتقليل من قُبحها! لنقف في وجه النظام الذكوري! ولنؤسس لحياة حرة بديلة!
الوقت وقت ثورة المرأة!
الآن وقتها! وربما الظروف اليوم ملائمة أكثر من أي وقت مضى لتحويل هذا القرن إلى عصر حرية المرأة. فإلى جانب الخطر الذي تُشكّله أزمة النظام الأبوي الرأسمالي على المرأة أولاً، إلا أن هذه الأزمة تحمل أيضاً الفرص السانحة لتجاوز هذا النظام المهيمن ولتأسيس نظامنا البديل. فلندرس إذاً هذه الفرصة التاريخية، ولنحقق ثورتنا، ثورة المرأة!”.