لم تعد الدولة التركية برئاسة رجب طيب أردوغان، ترى أي أهمية في سياسة الاعتماد على الوكلاء والعملاء المحليين في سوريا أو ممن يقيمون في مناطقها، خاصة بعد أن تجلَّت الأمور وبات الدور التركي وسياسته في سوريا واضحاً، حيث إنه دور عدائي واضح ومباشر دون أي مراعاة للاعتبارات القانونية أو الدولية. وقد ساهم الهجوم على عفرين في 20/1/2018، وقبلها الاستفزازات التي كانت تحدث على امتداد الخط الحدودي، على مرأى ومسمع وصمت من قبل القوى الموجودة في سوريا التي تحرص على خلق الحل، ومن قبل الكثير من المؤسسات المسؤولة عن زيادة العداء ورفع وتيرته من قبل “أردوغان”.
ما يمكن قوله في الظروف الحالية والأوضاع الراهنة عندما نتناول الوضع في شمال وشرق سوريا، هو أنه توجد قوة وإرادة شعبية تشترك فيها جميع المكونات. وقد ثبت قطعاً خلال السنوات الماضية أن الشعب في شمال وشرق سوريا لديه مشروع ومدلولات للحل، وكان له فعاليّة حقيقية في تغيير مسار الأمور في سوريا نحو مرحلة أقل ما يوجد فيها هو الإرهاب بحكم القضاء عليه بشكل شبه نهائي، والمواجهة المباشرة مع المشروع المتطرف بالإمكانات الذاتية في البداية ولاحقاً بدعم التحالف في إتمام الخطط والمبادئ التي آمن بها شعبنا، حينما اختار قراره في الدفاع عن الجميع دون استثناء من خلال قرار القضاء على الإرهاب أينما كان.
إن موقف “أردوغان” الذي يريد إثباته دوماً في سوريا، لا يحتاج إلى تحليل ولا استقراء للجوانب الخفية منه، ولا يحتاج حتى إلى إجراء دراسات لفهمه، حيث إن أردوغان ـ على المستوى الداخلي والخارجي- يشير إلى أمور ثابتة وواضحة منذ البداية، حين يتعلق الحديث عن الوضع في سوريا.
على المستوى الخارجي؛ يهدف “أردوغان” إلى الاستفادة من الصراع الموجود بين روسيا وأمريكا منذ عقود قديمة، ويعد هذا الأمر جانبا رئيسيا في سياسته التكتيكية، كما أنه يسعى إلى اعتماد الائتلاف الذي يتخذ من تركيا مقراً له، كواجهة سياسية لسوريا وتقديمها على أنها تمثل الحل (الذي يرضي تركيا). لا يتورع “أردوغان” -في تعامله مع الصمت الدولي تجاه ما يفعله من هجوم على مناطق داخل سوريا واحتلال مناطق أخرى أيضاً- عن الاعتماد على ما يعقده من تفاهمات مع دول هامة لها دور مؤثر في سوريا، عدا أن تركيا تعارض أي توافق سوري- سوري من خلال الجولات والمفاوضات الذي تحدث، وفي كل مرة تبحث تركيا عن فرصة إعاقة هذه المحادثات من خلال ممارسة صلاحياتها في منع إرادة الحل ومشاركة الممثلين الفعليين للشعب السوري.
وعلى المستوى الداخلي؛ تمارس تركيا هجومها الفاشي وتسعى بكل ما تملك من وسائل، إلى تهيئة البيئة المناسبة لعودة التطرف إلى سوريا، سواء من خلال منح فرصة لـ”داعش” لإعادة تنظيم صفوفه كما فعلت في معركة الانتقام لتحرير “الرقة” والكثير من المناطق الأخرى بالهجوم المباشر على “عفرين”. وكذلك تسعى تركيا إلى منع تطور المشروع الديمقراطي على الخط الحدودي لها مع سوريا (شمال وشرق سوريا)، وتريد من خلال ما تقوم به من تهديدات واعتداءات مباشرة، ضرب الاستقرار الموجود في مناطقنا، وهي رسالة واضحة بأن تركيا لا تريد الاستقرار في أي منطقة سورية، وكذلك أنها تؤيد الحرب وترى في دوامها ضرورة بالنسبة لتركيا، بل تريد أيضاً تعزيز الصراع والاقتتال والصدامات بين الشعب السوري، إلى جانب حالة الحرب التي لا تريدها أن تنتهي.
لا بد أن يكون شعبنا يقظاً في كل المراحل وفي الظروف كافة، ويجب أن يسعى بكل ما يملك إلى الحفاظ على مكتسباته، حال حدوث اعتداء أو هجوم تركي أو غيره. على شعبنا أن ينهض وينتفض ويبث إلى العالم أجمع حقيقة ما يجري وحقيقة سعيه نحو الحل والديمقراطية، يجب ألا تكون المسؤولية الوطنية والواجب الوطني -في هذه الحالات- بحاجة إلى توجيه أو نداء، بل تكون إجراءً طبيعيا وبديهياً حال المساس بقيم وإنجازات وانتصارات شعبنا، بحيث تلتقى كل الفعاليات والمكونات والمؤسسات في مسيرات لرفض هجمات واعتداءات كهذه.
لا بد من المطالبة في كل مرة بحق الشعب في المشاركة بصياغة الحل المستقبلي لسوريا، رسالة شعبنا بهذه اللهجة وهذا الموقف قوية، من أجل منع أي محاولة لـ”أردوغان” أو غيره لعرقلة جهود هذا الشعب. هذه الحالة التنظيمية الرائدة وهذه الجهود تترجم حجم تأثير شعبنا ودوره وكذلك قوته على الأرض. إن التنظيم بهذه المعايير أمر مهم لإثبات الحضور بقوة في كل موقف، وهو ما يساهم في التأثير على الوضع في “عفرين”، من خلال تسخير ذلك التنظيم والحضور في خدمة تحريرها أيضاً، وعلينا أن نعلم أن الحذر هام طالما هناك خطر، ويمكننا من خلال التنظيم والإعداد تحقيق التقدم دائما، وإفشال كل المساعي ضد ثورتنا الديمقراطية .