أخبار عاجلة

النسخة 21 من آستانا فشل آخر وتعقيدات جديدة في الأزمة السورية

في ظل التحديات والصعوبات الكثيرة، التي تعاني منها المنطقة عامةً وسوريا بشكل خاص، يعقد يومي الرابع والخامس والعشري من الشهر الجاري، ما يسمى بمؤتمر آستانا في العاصمة الكازاخية نور سلطان، بنسختها الحادية والعشرين، وبدعوة مما تسمى الدول الضامنة “إيران وتركيا وروسيا”.
واستضافت العاصمة الكازاخية نور سلطان، في منتصف العام الماضي النسخة العشرون منه، بمشاركة الدول الثلاث تركيا وروسيا وإيران، ووفد من حكومة دمشق وأيضا ما تسمى المعارضة، وبحضور الممثل الأممي لسوريا غير بيدرسون، حيث أكد الجميع في تلك النسخة على محاربة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، وتحقيق مصالح الدول الثلاث.
ويعقد هذه الجولة من آستانا، في ظل الكثير من المتغيرات وتأتي في مقدمتها حرب غزة بين إسرائيل وحماس، وهذه الحرب لها التأثير البالغ على المنطقة، وسوريا بشكل خاص، حيث تتداخل مصالح الكثير من الدول الفاعلة في الأزمة السورية، وهي تتخوف من امتداد الصراع إلى سوريا والدول المجاورة الأخرى، وقد يتوسع ليشمل دول إقليمية ما ينذر بحرب عالمية ثالثة ستكون عواقبها خطيرة للغاية.
النسخة الأولى من آستانا، عندما تم عقدها كان الهدف هو إيقاف مسار جنيف الأممي لحل الازمة السورية، ومصادرة قراراته، فسعت روسيا للتفرد بالمسار الجديد، عبر ضم كل من تركيا وإيران إليها، حيث كانت روسيا تخطط لتحجيم دور القوى الأخرى عن المشاركة في إيجاد الحلول للأزمة السورية، وبخاصة الدور الأمريكي لما له من ثقل على المستوى العالمي، والتأثير في القرارات الدولية.
ومن جهتها تركيا كانت ولا زالت تسعى دائماً وتحت مسميات وجود خطر على أمنها القومي، الحصول على المزيد من المكاسب في سوريا، فانضمت لآستانا وهدفها التوسع واحتلال الأراضي السورية، وبالتوافق بينها وبين روسيا وإيران، وتحت مسمى محاربة الإرهاب، احتلت العديد من المدن السورية بدءً من جرابلس وصولاً لسري كانيه وكري سبي، وهي نجحت في تحقيق العديد من المكاسب، وكلنا يعلم أن الهدف من كل ذلك محاربة الإدارة الذاتية، وضرب مشروعها الديمقراطي في المنطقة، وتتوافق معها موسكو وطهران من حيث المبدأ.
أما إيران فعينها على السيطرة الكاملة على مناطق الحكومة السورية، والحدود العراقية السورية، التي تعد شريان الحياة لميلشياتها، لما لها من أهمية في إيصال الأسلحة والمواد اللوجيستية وإدخال عناصر المجموعات الموالية لها من الطرف العراقي، وهي أيضاً حصلت على امتيازات كثيرة عبر نتائج مؤتمرات آستانا، وبخاصة بعد الحرب الروسية على أوكرانيا التي قلصت الدور الروسي في سوريا، واستفادت إيران منه بشكل كبير.
اليوم وبعد مرور ثلاثة عشرة عاماً على الأزمة السورية، يعقد جولة جديدة من آستانا، وهنا لا بد من السؤال ماذا حققت هذه المؤتمرات من نتائج إيجابية، يمكن الاعتماد عليها في حل الأزمة في سوريا؟، إن من يتابع الأوضاع في المنطقة وسوريا، سيرى بأن مسار آستانا لم يأتي إلا بالخراب والدمار والقتل والاحتلال للأراضي السورية، فبعد عقد أي جولة كانت هناك هجمات تركية برية على لأراضي السورية أدت في نهاية المطاف إلى احتلال عفرين وسري كانية وكري سبي، ومنذ ذلك الحين والهجمات التركية لم تتوقف يوماً، وكان آخرها الهجوم على البنى التحتية والمؤسسات الخدمية ما تسبب في استشهاد المدنيين والعسكريين، وتدمير كامل للعديد من المواقع كمعمل الغاز ومراكز توليد الطاقة الكهربائية وغيرها، وكلنا يعلم أن ما يحدث من هجمات ما هي إلا نتيجة لتوافقات آستانا، وبضوء اخضر أمريكي.
آستانا في نسختها الحادية والعشرين، وكما ركّزت نسختها العشرين وما قبلها، على محاربة الإدارة الذاتية، والعمل على رحيل القوات الأمريكية من المنطقة، لن يطرأ على برنامجها أي جديد، فتركيا تتطلع من خلال هجماتها المتكررة على إقليم شمال وشرق سوريا، لإفراغ المنطقة من سكانها، للسيطرة مناطق جديدة، في حين أن إيران وبالاتفاق مع تركيا تستهدف القواعد العسكرية للتحالف الدول وأمريكا، عبر وكلائها في المنطقة، وفق برنامج آستانا في نسختها الجديدة.
اليوم حكومة دمشق غير قادرة على القيام بمسؤولياتها تجاه شعبها، فهي تعاني من المشاكل الاقتصادية وتأمين سبل العيش الكريم لشعبها، وبخاصة أن قرارها مصادر من قبل الروس والإيرانيين، وهي غير قادرة على طرح أية مبادرة للحل في سوريا بمفردها، على الرغم من مشاركتها في آستانا لا يمكنها تقديم أي شيء إيجاباً أو سلباً، لأن هناك من يتحدثون بلسانها في المؤتمر، وحضورها شكلي أكثر مما هو رسمي.
وفي الخلاصة، وما يمكن استنتاجه من عقد النسخة الحادية والعشرين من آستانا، بأنه لا يمكن التعويل على نتائجه بشكل إيجابي، لأن ما هو متوقع هو زيادة العداء للإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا، والحصول على مكاسب جديدة لمحور آستانا عبر توافقات جديدة فيما بينهم، وبخاصة أنه تم تهميش ممثلي الإدارة الذاتية ومجلس سوريا الديمقراطية مرةً أخرى، ما يؤكد فشله الذريع في إيجاد أي تقدم في مسار حل الأزمة السورية، هذا إن لم يؤدي إلى المزيد من الاحتلالات والمشاكل والتوافقات والتعقيدات الجديدة، التي قد تدفع المنطقة لحروب وصراعات قد يكون الخروج منها مستحيلاً.

الكاتب والصحفي: رفيق ابراهيم
المصدر: وكالات