بدأت دولة الاحتلال التركي منذ الـ السابع والعشرين من كانون الثاني من هذا العام بحجز كميات ضخمة حوالي 80% من مياه نهر الفرات، وذلك بعد قيام أنقرة ببناء السدود والمشاريع على ضفتي دجلة والفرات في الأعوام السابقة، للسيطرة على الموارد المائية وفرض سيادتها على المناطق الحدودية المجاورة لها، ولاسيما سوريا والعراق، مستخدمةً المياه سلاحاً للحرب ضد شعوب تلك الدول، مما شكل تهديداً حقيقاً على الحياة البشرية والبيئية والاقتصادية عامةً، خصوصاً بعد انخفاض منسوب نهر الفرات إلى 20%.
حرب مياه ضد شعوب شمال وشرق سوريا
تخوض الدولة التركية حرباً من نوع آخر “حرب مياه” ضد مناطق شمال سوريا، ولا سيما من خلال اتباع سياسة التعطيش والتحكم والتلاعب بمجري نهر الفرات ودجلة، كأداة حرب وهي الأكثر فتكاً بشعوب المنطقة، حيث قامت تركيا بتخزين كميات ضخمة من المياه في السدود التي بنتها، ولاسيما سد أليسو، مما أدى إلى تقليص المياه المتدفقة إلى سوريا، وبذلك انحسر مستوى مياه النهر بشكل كبير، ووصل إلى حدّ الجَفاف.
ومن تداعيات بناء تركيا لسد أليسو تراجع منسوب نهر دجلة الذي يمر عبر الأراضي السورية، وأثر هذا التراجع سلباً على المناطق الزراعية في أقصى شمال شرقي سوريا، التي تعتمد على مياه نهر دجلة في عملية ري الأراضي الزراعية.
وكما أدى التلاعب بمنسوب مياه نهر الفرات خلال هذا العام إلى نقص المخزون المائي من 2-3سم، وانخفض منسوب النهر بمعدل 4 سم باليوم، والذي يتم صرفه في توليد الطاقة الكهربائية وفي الري أيضاً يستهلك لأكثر من 1 سم باليوم، أي حوالي 80% كون المنطقة اعتمادها الاقتصادي تتركز على الزراعة، فإجمالي الاستهلاك اليومي يصل إلى معدل 5 سم باليوم، وفي حال استمر الوضع على هذا المنوال سيصل عمق الانخفاض خلال شهر إلى أكثر 1,5 متر يومياً، أي سيبلغ منسوب بحيرة الفرات حوالي 300 متر، وهو منسوب صعب استهلاكه في توليد الطاقة الكهربائية بهذا المعدل.
ولهذه التبعات مخاطر جدية على واقع الحياة، الأمر الذي يشكل تهديداً حقيقاً على الاقتصاد المجتمعي والأمن الغذائي لسكان المنطقة، وبالتالي باتت المنطقة أمام كارثة إنسانية وبيئية وشيكة، نتيجة انخفاض منسوب نهر الفرات إلى أقل من ربع الكمية.
وبدت بوادر تلك المخاطر تظهر، فتم خفض عدد ساعات توليد الطاقة الكهربائية في مجمل الأقاليم، ولاسيما في إقليم الفرات، وحصيلة ذلك تم تخفيض عدد ساعات تزويد مدينتي” منبج وكوباني” بالتيار الكهربائي، كما تم تخفيض عدد الساعات تزويد مدينتي “دير الزرو والحسكة” بالتيار الكهربائي، بسبب توقف العمل في عنفات توليد الطاقة الكهربائية في سدي “تشرين” بريف حلب و”الفرات” بريف الرقة.
ونظراً لعدم وجود حلول تلوح في الأفق، اتهمت آهين سويد رئيسة مكتب الطاقة في الإدارة الذاتية الديمقراطية إن “انخفاض الوارد المائي عبر نهر الفرات منذ نحو شهر تسبب بخفض منسوب المياه بشكل كبير في السدود الثلاثة على النهر، وهذا ما أثر على عملية توليد الكهرباء في شمال شرقي سوريا الذي “يعد انتهاكاً للقانون الإنساني وجريمة حرب”، وباتت المنطقة أمام وضع وبائي خطير في شمال شرق سوريا.
انخفضت حصة سوريا من المياه إلى الربع
إن انخفاض منسوب المياه لم يؤثر على مناطق شمال سوريا فحسب، وإنما على سوريا عموماً، حيث أكثر من ثلث مناطق سوريا تعتمد على منسوب نهري الفرات ودجلة، لتغذية المنطقة بتوليد الطاقة الكهربائية، فسد الفرات ينتج خلال الساعة الواحدة حوالي 800 ميغا واط من الطاقة الكهربائية، بيد أن معدل الإنتاج في الفترة الأخيرة انخفض إلى أقل من الربع في سوريا.
وبذلك تكون الدولة التركية خرقت الاتفاقيات التي وقعت لتقاسم مياه نهر الفرات بين سوريا وتركيا في عام 1987م كون سوريا حصلت بموجبها على تعهدات من الطرف التركي سوريا سنوياً بمعدل يزيد على 500 متر مكعب في الثانية، أي بمعدل يقدر بحوالي 42%. وبذلك تكون حصة سوريا من مياه نهر الفرت 6.627 مليار متر مكعب. ولضمان حق سوريا في الحصول على حصتها من المياه، سُجلت هذه الاتفاقية في الأمم المتحدة.
إلا أن الوارد المائي في ظل حجز أنقرة كمياه ضخمة من مياه نهر الفرات تراجع من 500 إلى ما يقارب 200 متر مكعب، هذا ما يخالف القوانين المتفقة عليها بين الجانبين السوري والتركي.
الأمر في العراق لا يختلف عنه في سوريا
نظراً لاستمرار أنقرة في نهجها حيال تحكمها بمجرى نهري دجلة والفرات، ولاسيما من خلال “سد أليسو” الذي بدأ ببنائه منذ عام 2006م من قبل تركيا، وهذا ما عرض حياة الملايين من السوريين والعراقيين لمخاطر كارثية.
فسد “أليسو” الذي يختزن نصف الكميات من المياه المتدفقة إلى الأراضي العراقية، ألحق أضراراً بالموارد الاقتصادية والغذائية في مناطق “الموصل والسليمانية وبغداد والعمارة ومناطق البصرة في الجنوب”، ومن الممكن أن يتحول مجرى نهر دجلة إلى نهر صغير، إلى جانب تهديد المنطقة بالتصحر، وفق التقارير الإعلامية.
وحمّلَ الخبير المائي والجيوسياسي عبد الله الأحمد تركيا مسؤولية ذلك، مؤكداً بأن “تركيا تستخدم المياه كأداة حرب ضد سوريا والعراق، وهذا ما يخالف القانون الدولي، مؤكداً أن الاتفاقيات الدولية تشدد على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار حاجات الدول المجاورة المتشاطئة على ضفتي دجلة والفرات من الماء، وتحظر على تركيا، في هذه الحالة، اتخاذ أي إجراء من شأنه الإضرار بتلك الدول، أي سوريا والعراق”.
وخلال هذا العام خسرت العراق حوالي 50% من موارده المائية بسبب السدود التركية، وفق ما جاء على لسان وزير الموارد المائية العراقي، مهدي الحمداني. فأنقره بذلك خرقت الاتفاقية الموقعة مع الجانب العراقي بشأن تزويد المنطقة بالمياه، كون الدولتين وقعتا على اتفاقية في عام 1989م لتوزيع المياه، وحصل العراق بموجب الاتفاقية على حصة تقدر ب9.106 مليار متر مكعب أي حوالي 58% من مياه الفرات.
NRLS