أخبار عاجلة

سقوط أردوغان … تفضيل الاستبداد على الإسلام

​​​​​

خيّب الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في نهاية المطاف آمال المراقبين الغربيين والجماعات الإسلامية في جميع أنحاء المنطقة، ليس بسبب احتضانه للفكر الإسلامي، ولكن بسبب رغبته في السيطرة الكاملة على الدولة التركية، مما عزز نظامه الاستبدادي.

وحتى يوم السبت، كان لدى تركيا ما يزيد قليلاً عن 82 ألف حالة إصابة بفيروس كورونا، ثامن أكبر عدد حالات في العالم، وما لا يقل عن 1900 حالة وفاة بسبب الوباء. وانتقد العديد من المراقبين في تركيا وخارجها رد فعل الحكومة باعتباره بطيئًا وغير مؤكد، مشيرين إلى أمثلة مثل حظر التجول الذي استمر 48 ساعة والذي تم الإعلان عنه في اللحظة الأخيرة قبل أسبوع.

ثم ظهر أمر آخر مثير للقلق يوم الثلاثاء الماضي، عندما أصدرت مديرية الشؤون الدينية في تركيا، أو “ديانت”، إرشاداتها المتعلقة بفيروس كورونا لشهر رمضان المبارك. وحذر البيان الناس من التجمع في وقت الإفطار، مما قد يؤدي إلى انتقال الفيروس، لكنه أكد مجدداً أن الصيام واجب وأنه لا يوجد دليل علمي على أنه يقلل من مناعة الجسم التي من المفترض أن تقاوم العدوى.

وفي اليوم نفسه، أصدر البرلمان مشروع قانون للعفو عن السجناء، والذي وافق على الإفراج عن حوالي 90 ألف سجين، بمن فيهم رئيس مافيا بارز والعديد من المدانين بارتكاب جرائم عنيفة وجرائم جنسية. وفي هذه الأثناء، تم ترك حوالي 50 ألف سجين سياسي، من بينهم مئات الصحافيين والنشطاء والسياسيين، في السجن، حيث من المتوقع أن ينتشر الفيروس بسرعة بسبب قرب السجناء من بعضهم البعض، وأيضاً بسبب سوء عملية الصرف الصحي وقلة الإمدادات الطبية.

 

لذا، تسمح الحكومة نفسها، التي تحث المسلمين على عدم التجمع لتناول وجبات جماعية بسبب تهديد صحي، لعشرات الآلاف من المسلمين الآخرين بتعرضهم لخطر انتشار العدوى بسبب بعض انتقادهم المتصور للدولة. ومن هنا، يبدو أن العفو عن السجناء هو أحد الأمثلة الحية التي تؤكد على إعطاء أردوغان الأولوية لحكم مسلح قوي على مبادئ الإسلام.

وقال شادي حامد، كبير زملاء معهد بروكنجز، لأحوال نيوز “من وجهة الإسلام والفكر الإسلامي التقليدي، هناك دائمًا تركيز على الحفاظ على الحياة باعتبارها أحد أهداف الشريعة. وفي النهاية، إذا كان هناك خطر وشيك سوف يُفقد الإنسان حياته، فإن الشريعة الإسلامية تعطي الأولوية عمومًا للحفاظ على الحياة وحمايتها”.

 

وأثناء عمله مع “ذا أتلانتيك”، بعد انتصار أردوغان الرئاسي في أبريل 2017، قال حامد إن الرئيس التركي هو ذلك الزعيم الجذاب النادر القادر على التغلب على المؤسسات القوية والتهديدات الداخلية وإعادة تشكيل البلاد. رأى أردوغان كمسلم ملتزم، يستخدم سلطة الدولة لتحفيز الإيمان والخطاب الديني، بدلاً من فرضه، كما هو الحال في إيران.

ووصف حامد هذا النهج بأنه أسلمة ناعمة. لم يحظر أردوغان الكحول، على سبيل المثال، لكنه قلل من ساعات بيعه. كما قام بتوسيع سلطات “ديانت” وزاد بشكل كبير من الالتحاق بمدارس الإمام الخطيب. ثم جاءت عمليات التطهير الضخمة لأكثر من 150 ألف شخص، وسجن حوالي 50 ألفاً، في أعقاب الانقلاب الفاشل عام 2016، الذي وصفه أردوغان بأنه هدية من الله.

وقال حامد، الذي درس حالة تركيا وأردوغان في كتابه لعام 2017 “الاستثناء الإسلامي” “لا أعتقد أن هذا أمرا ً جيداً إذا كان أردوغان يعتقل الناس ويحتجزهم، خاصة بعد محاولة الانقلاب في 2016، ثم يستخدم لغة الدين لتبرير سلوكه”.

قد يفسر هذا سبب خسارة حزب أردوغان “العدالة والتنمية” للمقاعد في بعض المدن الكبرى، بما في ذلك اسطنبول وأنقرة، في الانتخابات المحلية العام الماضي. ولماذا غادر بعض أبرز شخصيات حزب العدالة والتنمية، بما في ذلك الرئيس السابق، عبد الله غول، والاقتصادي السابق القيصر، علي باباجان، ورئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، الحزب؟

وهذا من شأنه أن يفسر كذلك نتائج الاستطلاع التي تم إصدارها العام الماضي، حيث حدد الأتراك أنفسهم بأنهم أقل تقوى وأقل تديناً، مع ظهور عدد أكبر من غير المؤمنين والملحدين وانخفاض أولئك الذين يصفون أنفسهم بأنهم محافظون متدينون (21 بالمئة) وأولئك الذين يصومون خلال شهر رمضان (14 بالمئة). وإذا كان الهدف الرئيسي لأردوغان هو إنشاء أجيال تقيّة من الأتراك، كما قال في كثير من الأحيان، بعد وجوده على مدار 17 عامًا في السلطة، يبدو ي النهاية أنه يفشل.

وقال حامد “وهذا يشكك في فكرة الأسلمة الكاملة”، مضيفًا أن الناس بدأوا على الأرجح في ربط أردوغان بالإسلام، وبالتالي فإن الابتعاد عنه يعني الابتعاد عن دينهم.

يرى حميد أردوغان إسلامياً عميقاً، وليس مثقفاً، مثل التونسي رشيد الغنوشي أو مستشار أردوغان نفسه إبراهيم كالين، الأستاذ السابق في جامعة جورج تاون بالولايات المتحدة. ونتيجة لذلك، ربما لم يتمكن زعيم تركيا من تصور السياسات المطلوبة لتأسيس دولة إسلامية مستقرة.

وقال حامد “ليس هناك شك في أنه يشعر بهذه الأمور بقوة وهو أمر شخصي للغاية بالنسبة له. لقد فشل حقا في نقل ذلك إلى المستوى التالي وصياغة إطار إسلامي أوسع”.

ربما كانت ميول أردوغان انعكاسًا للتاريخ السياسي التركي أكثر من انعكاسها على الإسلاموية. لكن حامد يعتقد أن اعتناق أردوغان للفكر الإسلامي ليس السبب في حالته الإشكالية أو تراجع شعبيته في تركيا وفي الغرب.

يقول حامد “كيف كان بوسع أردوغان القيام بهذا الأمر بشكل أفضل؟ ومن هنا تتضح الإجابة وهي أنه لم يكن يجب أن يتحول أردوغان إلى شخصية استبدادية. إن أكبر خطأ ارتكبه لم يكن اعتناقه للفكر الإسلامي بقدر الاستبداد، لأن هذا هو ما يدفع الناس بعيدًا عن الدين”.

وحتى خلال أكبر مخاوف الصحة العامة التي واجهتها تركيا منذ أجيال، تبدو الحكومة أكثر اهتمامًا بفرض التحكم وإسكات الانتقادات. وفي الفترة من 15 مارس إلى 5 أبريل، تم التحقيق مع أكثر من 3500 شخص بسبب منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، بينما احتُجز أكثر من 225، بما في ذلك 10 صحافيين واثنين من البرلمانيين على الأقل.

وكما كتبت كاتبة العمود، هوليا شينك، لدويتشه فيله هذا الأسبوع، فإن قمع أردوغان المستمر خلال فترة الوباء يثبت عدم إنسانيته. وفي الأسبوع الماضي فقط، قامت الحكومة التركية بخنق حرية التعبير على الإنترنت في عمق حزمة مساعدات اقتصادية استجابة للوباء.

وقال يامان أكدينيز، أستاذ القانون في جامعة اسطنبول بيلجي، لأحوال تركية مشيراً إلى لوائح الإنترنت المقترحة “هذا أمر مدروس جيدًا من وجهة نظر الحكومة. لا يبدو أنه أمر تم اتخاذه بشكل اضطراري. أتوقع نظاما أكثر استبدادية في تركيا بعد جائحة فيروس كورونا”.

فكر حامد في زيارته الأخيرة إلى تركيا، في أكتوبر الماضي، عندما التقى نشطاء من جماعة الإخوان المسلمين، وهي جماعة إسلامية مصرية تتمتع بعلاقات ودية منذ فترة طويلة مع حزب أردوغان الحاكم، حزب العدالة والتنمية. وقال إن النشطاء ما زالوا يدعمون أردوغان، لكنهم لم يمدحوه كثيراً لأنهم كانوا على دراية جيدة بمدى انخفاض رصيد دعمه. “أتذكر عندما كنا نتحدث عن ’النموذج التركي‘ “،  تساءل حامد، مشيراً إلى سلسلة من المقالات قبل عدة سنوات في وسائل الإعلام الغربية السائدة التي استخدمت هذه العبارة “لم تعد تسمع عنها الآن كثيراً.

 

 

دايفيد ليبسكا