منذ عام 2011 ويعيش السوريون سنواتٌ عجاف ضمن حدود بلادهم، وفي كل عام يأملون فيه خيراً يُطيل عمر الأزمة ويُزيدها تعقيداً أكثر فأكثر ولا حلول تلوح بالأفق.
وعاماً بعد آخر من الأزمة تزداد معدلات الفقر والبطالة في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية وانهيار الليرة السورية أمام الدولار لمستويات تاريخية وصلت اليوم لما يتجاوز الـ 13000، ناهيك عن تحكم التجار واحتكارهم للمواد والسلع الغذائية في ظل غياب الحكومة السورية أي “لا رقيب ولا حسيب” وفي المناطق المحتلة تركياً، فحدّث ولا حرج حيث تستغل الفصائل المسلحة حاجات المدنيين وتقوم بتسييس المساعدات الإنسانية.
فلم يعد هناك أمل من الحكومة السورية التي عجزت طوال كل هذه السنوات من الحرب أن تجد حلاً وتكون ملاذاً آمناً للسوريين، ولا أمل أساساً ممن تدعي نفسها بالـ “المعارضة السورية”، فلا علاقة لها بمتطلبات وآمال السوريين أساساً كونهم عاملة بأوامر وتحت مظلة تركية، تتحرك وتقتل وتنتهك وتسرق وتحرق هنا وهناك ضمن الأراضي السورية المحتلة لإرضاء تركيا وتحقيق غاياتها.
وسط هذه المعاناة والظلام الذي يعيش المواطن ضمن حدود سوريا، يبقى الأمل معلقا على مشروع الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا التي حافظت ووحدها على آمان وسلام المنطقة، وعلى وحدة المكونات السورية بمختلف أطيافها وانتمائها، كما وتراعي حالة الاقتصاد المتدهور ف البلاد فترفع بين الحين والآخر أجور العاملين والموظفين ضمن قطاعاتها ومؤسساتها.
ففي الوقت الذي كانت فيه المناطق السورية المختلفة تتعرض للتدمير ويتهجر سكانها ويُقتلون على يد قوات الحكومة السورية وفصائل الجيش الحر التي تحولت لاحقاً إلى فصائل الجيش الوطني وأصبحت تابعة لتركيا، كان هناك نموذج ديمقراطي في الإدارة يتطور في مناطق شمال وشرق سوريا جنباً إلى جنب مع الحرب ضد “داعش” وجبهة النصرة وغيرها من فصائل الجيش الحر.
ففي بداية المشروع المنطلق لذاتية الإدارة في شمال وشرق سوريا، تنبهت الحكومة السورية إلى جدية المشروع الذي كان يطبق في شمال وشرق سوريا وأدركت أنه أكثر ما يهدد حكمها، فسعت لوصفه بالانفصال من أجل تشويه سمعته وجعل السوريين يقفون بعيداً عنه، من خلال ربط الإدارة الذاتية بالكرد والادعاء بأن الكرد يريدون دولة مستقلة، متناسية أن الظروف الدولية لا تسمح بتشكيل دول جديدة، ثم أن أي دولة جديدة تكون محاصرة من جهاتها الأربع لن يكتب لمشروعها النجاح، عدا عن ذلك.
الإدارة الذاتية ومنذ تأسيسها أعلنت في عقدها الاجتماعي الذي تشارك الكرد والعرب والسريان الآشور الكلدان والأرمن وبقية المكونات بوضعه، أن جزء لا يتجزأ من سوريا، وأن مشروعها مشروع سوري يسعى لتغيير ذهنية الحكومة السورية وجعلها تتقبل الآخر وترفع القبضة الأمنية عن المجتمع السوري.
وللتأكيد على وطنية مشروعها، أعلنت الإدارة الذاتية بالتزامن مع ذكرى استقلال سوريا في 17 نيسان، عن خارطة طريق لحل الأزمة السورية تتألف من 9 بنود، تناولت الأزمة من مختلف جوانبها وطرق حلها، ومن ثم أتبعت ذلك بإعلان استعدادها لاستقبال اللاجئين السوريين الذين يتعرضون لحملات عنصرية في الدول المجاورة، فيما بدأ مجلس سوريا الديمقراطية منذ تأسيسه عام 2015 بعقد الاجتماعات والندوات والمؤتمرات للمعارضة السورية سواء في الداخل أو الخارج بغية تشكيل جسم معارض موحد ووضع رؤية متكاملة مشتركة بين السوريين لحل الأزمة وفي هذا السياق وقعت في العاصمة الروسية موسكو وثيقة تفاهم مع حزب الإرادة الشعبية التي تقود منصة موسكو للمعارضة السورية ومؤخراً مع هيئة التنسيق الوطنية وتجري الاستعدادات الآن لعقد مؤتمر وطني للمعارضة السورية في الخريف المقبل.
فالإدارة الذاتية ليست قائمة على مبدأ الأمة الواحدة والجغرافيا الواحدة وحتى الدين الواحد، وإنما على أساس الشعوب والمجتمعات المختلفة وعلى أسس الديمقراطية، وهذا يعتبر تجاوزاً لذهنية الدولة – القومية. والمهم فيها هو إرادة إدارة المجتمع، فالمجتمع يقوم بتسهيل واجبات الدولة المركزية ويقوم بإدارة نفسه ذاتياً، أي أن المركز يسلم واجباته للمجتمع، وبالتالي هنا تتحقق لا مركزية السلطة، وتتحقق العدالة والمساواة ويلغى وجود طبقة حاكمة تتأثر بجميع خيرات البلاد وتضعها في خدمة مصالحها الشخصية، بل تكون خيرات البلاد لجميع المواطنين.
وبالتالي فإن الإدارة الذاتية هي اسلوب إدارة خارج إطار الدولة تقوم فيه الشعوب والمجتمعات بإدارة أمورها خارج حلقة الدولة، وهي مختلفة في فحوى وفلسفة الإدارة عن اسلوب الحكم الذاتي الممنهج لأن سلطات الحكم الذاتي في إقليم محدد هو نظام إداري ذاتي يتبع الحكومة المركزية ويتخذ شكلاً داخل الدولة، وليس داخل المجتمع.
كما إن الإدارة الذاتية تبرزُ من داخل المجتمع وتحتضنُ كلُ المجتمعِ وإن أساسها وقاعدتها هي إرادةُ ومطالبُ واحتياجاتُ المجتمعِ.