آلدار خليل –
داعش، أو ما تسمى الدولة الإسلامية في العراق والشام، ظهرت في وقت كانت فيه المنطقة تشهد تحولات جذرية في مسارها المتعلق بشكل ونموذج النظام التقليدي في الحكم الذي بات لا جديد فيه سوى سنوات الحكم المتتالية، داعش الذي قام بحشد آلاف العناصر من أرجاء العالم كافة، وهاجم فيها كل المناطق وخاصة تلك الواقعة في شمال سوريا بحيث كان في طرحه الجديد- داعش- يريد إعادة ترتيب المنطقة وعموم العالم بشكل يتناسب مع فكره وتطرفه وقام بتوضيح حدود خلافته المزعومة التي تتجاوز الخيال وهو يسعى ويريد السيطرة على عموم العالم. الثقل والحجم والشكل الذي تواجدت فيه داعش في المنطقة بات محوراً مهماً بحيث لم يكن هناك إمكانية بوضع أي رؤية جديدة حول المنطقة دون مراعاة وجود التنظيم المتطرف خاصة مع سيطرته على مدينة الرقة في مطلع العام 2014 وإعلانه للمدينة كعاصمة له وبعدها تطور نشاطاته الخارجية والقيام بسلسلة عمليات إرهابية، البداية الحقيقة لانهيار وتراجع داعش أو بداية تعثر خطواته العملية نحو مشروعه الإرهابي كانت قد بدأت مع الانتصار والمقاومة البطولية التي ظهرت في كوباني ومع انكسار داعش لأول مرة في تاريخها أمام قوة وإرادة نوعية أبدتها آنذاك وحدات حماية الشعب والمرأة ومعها كافة أبناء شعبنا في كوباني، حيث مع سيطرة داعش على الموصل انفتح الطريق أمامها نحو المزيد من التقدم، بحيث كانت المقاومة في كوباني الانعطاف التاريخي الكبير في مسار داعش الذي اختلطت فيه كل أوراقه ولم يعد قادراً على التركيز مع خسارته في كوباني للكثير من قاداته وعناصره بشكل خلق لديه صدمة.
مقاومة كوباني والروح البطولية التي ظهرت ساهمت في بناء إرادة المقاومة خاصة ضد داعش الذي لطالما كانت تهرب منه الجيوش بعتادها؛ لا بل ألهمت المقاومة البطولية كل العالم، حيث انضم العشرات من أطراف العالم إلى مقاومة شعبنا ونضالهم من أجل الديمقراطية والسلام ومن أجل إنهاء التطرف في الوقت الذي عجزت عن ذلك الكثير من الدول. اليوم ومع حصار داعش، دولة الخلافة، الدولة الإسلامية التي كانت تريد حكم العالم بعد أن كانت تسيطر على ما يزيد من 60% من مساحة سوريا والعراق في مساحة صغيرة لا تتجاوز الكيلو متر مربع يتم الإثبات مرة أخرى بأن النهج المنتصر والذي استطاع أن يواجه أكثر قوى إرهابية في العالم هو نهج وإرادة شعبنا المؤمن بالديمقراطية والحل الديمقراطي. الانتصار على داعش انتصار لفكر وفلسفة الأمة الديمقراطية؛ الفلسفة التي ضمّنت وحدة مجتمعية متماسكة التقت واتحدت المكونات فيها باختلافاتها وتنوعها وهذه الفلسفة التي حققت هذا التماسك هي ذاتها التي ضمنت هذا النصر التاريخي الكبير؛ لما فيها من قيم العيش المشترك، أخوّة الشعوب، وحدة المجتمع القوي المتنوع والمتكاتف أمام كل التيارات الجارفة التي أطلقتها الكثير من القوى؛ بهدف النيل من هذه الإرادة وفي مقدمتهم الدولة التركية.
النصر الكبير اليوم ضد داعش الذي كان بمثابة وحش يهدد كل العالم هو كذلك انتصار للقيم الديمقراطية، انتصار لكل البطولات التي أبدتها المكونات كافة ومعهم الأصدقاء الأمميين وكذلك انتصار لتحالف القوى المشتركة والذي أثبتت فيه قوات سوريا الديمقراطية بأنها القوة السورية بامتياز لا، بل القوة التي حافظت من خلال دماء مقاتليها الأبطال على الاستقرار في عموم العالم وليس فقط في سوريا والمنطقة.
هذا الانتصار الكبير هو دليل على الإرادة القوية التي لا تتنازل عن مشروعها في بناء الاستقرار والحل والسلام؛ بهذه الإرادة القوية وبهذه الروح المفعمة بالمقاومة والنضال يجب أن نستمر في نضالنا، حيث الروح المستمدة من مقاومة كوباني والتي انتصرت اليوم في دير الزور هي ذاتها التي يجب أن تستمر وتكون أساساً حتى بناء الديمقراطية وتحقيق الحل السوري وتناضل دائماً دون توقف باذلة كل الجهود والمساعي من أجل تحرير عفرين؛ حيث كما كان النصر في كوباني بداية لانكسار داعش يجب أن يكون النصر في دير الزور بداية لنهاية أردوغان والذهنية الفاشية وعقلية الإبادة التي يتبعها ويريد من خلالها ضرب استقرار المنطقة، وكذلك الحد من التدخلات والإجراءات كافة والتي تريد تشويه هذه الانتصارات وتصنيفها عكس حقيقتها وواقعها. على العالم أجمع مجتمعاته كافة الخروج ومباركة هذه المناسبة التاريخية العالمية والثناء على كل الجهود التي تمت وبخاصة من قِبل مكونات شعبنا ولا بد من التأكيد بأن ما تم تقديمه من تضحيات كان من أجل أهداف إنسانية وواجب وجداني أمام العالم أجمع بضرورة وجود قوة تكون هي الفدائية والمضحية من أجل القضاء على الخطر المهدد للعالم أجمع. لذا؛ اختار شعبنا هذا الخيار ونجح اليوم في خياره الذي هو دوام لخياره في تبني فلسفة الأمة الديمقراطية، أمام كل هذا وظيفة الجميع في العالم أن يسعى إلى احترام هذه المواقف والتضحيات ومنع من أن تكون هناك أي جهود هدفها الالتفاف على هذا النصر وهذه الجهود؛ لأن ذلك لن يكون إلا انتقاماً لداعش دون شك.