أخبار عاجلة

هل هي بداية الفصل الأخير للأزمة السورية؟

 

أمّا تفسير ما يحدث في مقلب السلطة من خلافٍ على أنه اقتصاديٌّ ابن الأزمة و/أو ديمومة للذي ظهر بين الأسد الأب والعم فإنه بغير المكتمل أو بالتهليل، وربما لن يعدّ بالغلوّ حينما يتم الأخذ بظهوره كحالة طبيعية أو بالمسألة المتوقعة، كما أنه لا يقل تسويفاً عن تفسيره بالخلاف على الاستحواذ سوى حينما تصر (المعارضة) السورية على وصف النظام السياسي السوري بالنظام العلوي، فإنها منظومة لها علويوها وسنتها ومسيحيوها ودروزها، لها عربها وكردها وتركمانها؛ ومن باقي تكوينات شعب سوريا البالغ عددها نحو أربعين تكويناً إثنياً وقومياً ودينياً وطائفياً. وحينما يظهر نظام الاستبداد في بلد ما؛ فإن زمرة محددة متنوعة الانتماءات لها أدوار مختلفة تتحكم بالبلد؛ فتبدو بالزمرة الكليّة، وكلما كانت الزمرة أكثر كليّة تبيّنت حدة الانقسام في ذلك المجتمع من بعد التحكم به، ولا تبيّن شرعية للحكم.

أما التفسير الحقيقي للخلاف الحديث فإنه يرجع أساساً إلى الانقسام السوري الأول الذي خلّفه دستور سوريا في العام 1950، وبناء عليه فقد قسمت سوريا وقتها وفق دين أساسي هو الإسلام كدين رئيس للدولة السورية وأديان أدنى، وهنا لا يبدو الاستغراب حينما تصر بعض صنوف المعارضة السورية على الدستور السوري لعام 1950 وحسب، إنما بالأخذ بمثل هذا الدستور كما هو؛ علماً بأن مبادئ حقوق الإنسان العالمي استحدثت بعده، ومن الطبيعي أن لا يتوقف الانقسام عند ذلك بل أدّى إلى انقسام ثانٍ، رأت لها مخرجاً مستقراً في الدساتير التي أتت بعده من خلال انقسام سوريا إلى قومية عليا وقوميات مهمَّشة أخرى، وهنا لا بد من ضرورة الإشارة إلى أنّ كلا الانقسامين أُجريا وثُبّتا تماماً تحت غطاء أيديولوجية البعث من بعد انقلاب 8 آذار 1963.

وعلى الرغم من أن كل شيء مرّ تحت اسم العروبة، فإن الضرر الذي أُلحق بالشعب العربي لا يقل عن شركائه السوريين؛ باستثناء المظلومية المزدوجة التي وقعت على الشعب الكردي في سوريا، وحينما يتم تفسير الخلاف في ضفة دمشق بأنه صراع على السلطة مردّه الأولي التقسيمات التي حصلت سواء كانت على أساس الدين أو القومية؛ فمن المتوقع أن تنال مثل هذه التقسيمات تفريخاً للتناحر على السلطة على الأساس العقدي والفئوي والأسري، ودائماً فإن خلف أي تقسيم محليّ استطالتان إقليمية ودولية، كما أنه دائماً وبسبب تداخل المصالح في لعبة الأمم فإنه ليس من المتوقع إنهاء طرف والإبقاء على طرف معين؛ لا بل يكاد يكون أهم وسائل نظام الهيمنة محدداً بالحفاظ على التناقضات وإبقائها في حال توازن: لا غالب ولا مغلوب، وفي سوريا بالتحديد لا غالب ولا مغلوب؛ لا خاسر ولا منتصر. وما يحدث اللحظة له علاقة كبيرة بما ستؤول إليه الأمور في العام المقبل.

ففي 2021 تنتهي الولاية الثالثة للرئيس بشار الأسد، ولا يخفى على أحد بأن أكثر دولة مهتمة بالذي سيحدث في العام 2021 أي بالنتيجة التي ستفرزها انتخابات الرئاسة في سوريا العام المقبل هي روسيا.

لكن هل يسدل على كل هذا الشد والجذب ستار الفصل الأخير للأزمة السورية؟

يفسِّر البعض قول المبعوث الأمريكي جيمس جيفري في مقابلته الأخيرة التي نشرتها الشرق الأوسط: بأن جميع الجيوش المتدخلة في سوريا بما فيها جيش بلاده يجب أن تخرج سوى الجيش الروسي؛ بمثابة مد الحبل السوري للروسي، من دون أن يعتبر مثل هذا المدّ أنه الإيجابي التام، إنما للإحكام على الذي يبقى في سوريا؛ وخاصة أننا لم ننس بأن ملف سوريا المعقد جداً قد تم إحكامه بكافة الملفات الملتهبة في المنطقة والعالم، وخصيصاً أكثر بعد تفشي جائحة كورونا، كما يفسر البعض هذه المقابلة بمثابة إعلان إرخاء الستار على صميمية القرار الدولي 2254 الذي أسدل بدوره الستار على بيان جنيف 2012، وأنه بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة على آلياتها التنفيذية التي شهدناها سواء كانت في هيئة التفاوض أو الدستورية السورية؛ دون أن يعني ذلك بأن عقد اجتماعات لاحقة ولو كانت شكلية لن تحصل بالنسبة لهيئة التفاوض أو الدستورية السورية.

في مثال التحالفات التي شهدناها على الساحة السورية تبدو أشبه بنسخ مصغرة عن التحالف المخفي؛ المعلن فيما بعد؛ ما بين فرنسا الكاثوليكية في عهد الكاردينال ريشيليو الذي شغل منصب رئيس وزراء فرنسا بين العامين 1624 و1642، والذي قام بدعم الجيوش البروتستانتية في الإمارات الألمانية، وفي الدانمارك والسويد وهولندا، محاولاً ريشيليو في هذا التحالف أن يقلّص سلطة (أخوته في الإيمان) آل هابسبورڠ الكاثوليكيين، هادفاً إلى بسط السيادة الفرنسية على أكبر قدر ممكن في أوروبا، ونجح الكاردينال في فرض أغلب شروطه في صلح/معاهدة ويستفاليا 1648، تحت مبدأ/حجة ضمان سيادة الدول، وفي الحقيقة نجد بأن هذه المعاهدة وعلى الرغم من أنها أنهت حرب الثلاثين عاماً في أوروبا؛ التي وصلت في بعض المناطق إلى السبعين عاماً، وفي بعض مناطق من أوروبا استمرت الحرب إلى ما بعد المعاهدة، إلّا أنها لم تستطع وضع الحل، لأنه لم يكن سوى بداية لمرحلة هيمنة عالمية جديدة في عالم متبدل، كما التبدل الذي سنشهده بشكل أوضح ما بعد انحسار جائحة كورونا ببضع سنين، فما يحدث الآن كالذي حدث بالأمس، أن تبقى المشكلة/الأزمة كما هي.

إن الذي يحدث هو التحوير من مسارٍ صراعيّ إلى آخر؛ خاصة إذا ما أدركنا أن سيادة الدول باتت على التضاد من سيادة الشعوب –بشكل صريح في شرق المتوسط- فإن الأزمة/ات تستمر وتستفحل حتى يتم إيجاد البديل الديمقراطي والتوافق عليه من قبل شعوب سوريا والمنطقة.

حينما نعلم بالضبط وحينما يكون بمقدورنا كسوريين التحديد في أي نمط من التفكير نعيش؛ سنخرج من خلاله إلى نمط العيش المناسب في الحل السوري الذي يكتب له الديمومة، وليس العكس كما في قول الفيلسوف ماركس: لكل نمط من المعيشة نمط من التفكير، ماركس الذي كرّس مفهومية الحرب في كتابه المشترك مع زميله أنجلز (الأيديولوجيا الألمانية)، حيث خلع ماركس بشكل خاص كل وشيجة بينه والهيغليين الشباب، وعلى نقيض تام من أطروحة/ نظرية/ مشروع كانط (السلام الدائم)، كانط كأكثر المتفائلين تاريخياً.

سوريا منذ العام 2015 باتت تحت الوصاية الدولية، والآن يعسكر على ترابها خمس جيوش لكل منها رؤى عديدة، والربط والفصل بين أجنداتها وسوريا كأجندة متوحدة، دون أن لا يعني بأن الأمر سيختلف كثيراً لو بقيت تحت وصاية دولة واحدة هي روسيا، ففي كل الأحوال والأكثر دلالة يبقى ضمن منظور أية محاولة لاستنبات شكل نمطي يتهيأ فيه خلق أمة نمطية في سوريا؛ يعني تكريس التقسيم حتى لو تم زجّه وتجميله في دستور، سيادة شعب سوريا هي الواقع والحقيقة التي يجب الأخذ بهما أولاً وبشكل مبدأيّ في فكر الدستور السوري؛ لأن الدستور فيه ومنه الفكر والمعرفة والاجتماع، وأي دستور لا يؤسس لأسبقية وديمومة العيش المشترك لا يعوّل عليه فلا يؤخذ به؛ إنما يتم طرحه حتى إيجاد المناسب السوري. وإذا ما سمح سابقاً للتمريرين/ تقسيم سوريا على الأساس الديني ومن ثم القومي؛ فإن عاملي الذات والموضوع لن يسمحا اليوم لهما أن يمرا، بالأساس التنميطات في سوريا وفي كل المنطقة وصلت إلى الحائط المسدود.

بكل الذي جرى ويجري فإن الكرة والملعب والحلول ما زالت في صف القوى والأحزاب والشخصيات الوطنية الديمقراطية العلمانية السورية؛ التي لم تقل سوى القليل حتى اللحظة، الفرصة سانحة لها أكثر من أي وقت مضى، لكن الفرص لا تنتظر كثيراً مثلها مثل الفصول، ومثل صبر وتفاؤل كانط حينما يقول: التنوير هو ابتعاد الإنسان عن عدم النضج الذاتي، .. وكل ما هو مطلوب لهذا التنوير هو الحرية.

 

سيهانوك ديبو – ممثل مجلس سوريا الديمقراطية في مصر