“سوريا”…الاستغلال الروسي للمواقف الامريكية

تعتبر السياسة الروسية حول الأزمة السورية من أكثر السياسات استقراراً ونجاحاً مقارنة بالدول التي انخرطت بالأزمة السورية. حيث استطاعت روسيا بعد تدخلها العسكري حماية النظام من السقوط ومن ثم السيطرة على القرار السياسي ووضع يدها على ثروات البلاد “مستعمرة روسية”. بعكس سياسة الولايات المتحدة التي شابها الكثير من الغموض والتردد كـ ” تجاوز النظام للخطوط الحمراء الأمريكية “استخدام النظام للأسلحة الكيماوية” – فشل المشروع الأمريكي لدعم الفصائل المسلحة المرتبطة بتركيا – قرار الانسحاب من سوريا ومن ثم وقف القرار”. بالرغم من قوة الولايات المتحدة سياسياً وعسكرياً وعدم قدرة روسيا على فرض رؤيتها في سوريا، إلا أنها استطاعت إثبات وجودها سياسياً وعسكرياً في سوريا وتذليل الكثير من العقبات خلال الأزمة السورية كملف تسليم الأسلحة الكيماوية مقابل تخلي أوباما عن شن ضربة عسكرية ضد النظام، ومؤتمرات سوتشي وآستانا التي سمحت لروسيا والنظام عن طريق عقد صفقات مع دولة الاحتلال التركي بمد سيطرتهما على مساحات واسعة من الأراضي السورية والتي كانت تحت سيطرة الفصائل المسلحة من20-25% إلى 65% والتمدد في مناطق الإدارة الذاتية بعد قرار ترامب بالانسحاب من سوريا، إلى جانب ربط تركيا بسياستها في الأزمة السورية، إلا أن الأهداف الروسية في تدخلها العسكري لم تكتمل بسبب فرض الولايات المتحدة قانون قيصر “العقوبات الأمريكية” على النظام حيث باتت روسيا مكبلة في عدم قدرتها على تأمين نفقات تدخلها العسكري والتي أخذت تؤرقها إلى جانب عدم قدرتها على استثمار الثروات السورية وكذلك قيام روسيا بخلق وضع عقد من الأزمة السورية أكثر ولم يعد بمقدورها على إعادة وحدة التراب السوري، بسبب تجميع التنظيمات المسلحة “المرتزقة” في إدلب والتي أصبحت تحت الحماية التركية، إلى جانب انعدام ثقة المكون الكردي بروسيا بعد منحها الضوء الأخضر لتركيا لاجتياح عفرين. ومع استمرار الانهيار الاقتصادي لسوريا ازدادت مخاوف روسيا من انتشار الفوضى في مناطق سيطرة النظام وعودة المظاهرات التي تطالب بإسقاط النظام بسبب سوء الأوضاع المعيشية مما قد يؤثر على تواجدها في سوريا في المستقبل.

أمام هذا الوضع المتأزم بدأت روسيا إلى جانب تركيا التودد إلى دول الخليج ومصر والتي قد تهدف لاستحداث منصة جديدة “موسكو وأنقرة والدوحة” على غرار منصتي آستانا وسوتشي وتكون بداية لمنصة أكبر تشمل دول الخليج ومصر وتركيا مستغلة التقارب الخليجي القطري، فروسيا من خلال منصتي آستانا وسوتشي استطاعت التمدد في الأراضي السورية وتحاول إعادة هذه التجربة، من خلال محاولاتها في كسب مواقف هذه الدول وتوسيع دائرة مؤيديها حول رؤيتها لشكل الحل في سوريا وترفض تغيير شكل النظام في سوريا “من نظام مركزي إلى نظام لا مركزي ” تحقق فيها روسيا مصالحها وتخفف الضغوط والشروط الأمريكية والغربية على النظام، بالإضافة إلى ذلك تقوم بالضغط على إيران في سوريا من خلال عدم مشاركتها في المنصة ولتعطي نوعاً من الطمأنينة لدول الخليج، وقد تلعب روسيا دور الوسيط في إعادة العلاقات بين دول الخليج وإيران إلى جانب محاولة روسيا لعقد اتفاقية سلام بين حزب الله وإسرائيل أو على الأقل الوصول إلى صيغة معينة بين الطرفين في سوريا تخفف الضغط الإسرائيلي على سوريا وتكون بداية لتخفيف العزلة الدولية على النظام ولتلعب دوراً أكبر في الشرق الأوسط، تكون بداية للتمدد الروسي. خاصة في وقت قد نشهد انفراج في الملف النووي الإيراني بين الولايات المتحدة وإيران وهو ما شكل امتعاضاً لدى المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات. لذا تحاول روسيا استغلال سلبيات السياسة الأمريكية على دول المنطقة، فالتحركات الروسية تقوم على تداعيات السياسة الأمريكية على دول الشرق الأوسط وما ينجم عن ذلك من ردود أفعال من بعض الدول الشرق أوسطية تجاه هذه السياسة لتحقيق غاياتها ومآربها في سوريا وتظهر كدولة عظمى يمكن الاعتماد عليها في تخفيف أو تسوية المشكلات الإقليمية العالقة لإحلال الأمن والسلام في المنطقة.

 

NRLS