المؤامرة الدولية إلى أين ؟!

أحدثت حركة التحرر الكردستانية تحولاً هاماً في المنطقة على صعيد تطوير آليات بناء الأسس الحقيقة لتحقيق الحل الديمقراطي في منطقة الشرق الأوسط وحل القضية الكردية ضمن الحلول المطروحة والتي هي جزء من المعضلة الكبيرة في المنطقة؛ حيث إن الحديث عن الحالة الكردستانية بأي شكل من الأشكال والغفلة عن دور وميراث حركة التحرر الكردستانية له خطأ لا يمكن تجاهله أبداً، إيماناً من القوى التي بدأت تُدرك خطر هذه الحركة في تحويل مجرى الأمور نحو الحل الذي يضمن بناء إرادة شعبية وحالة تحوّل هامة في الشرق الأوسط؛ فاستهداف القائد عبد الله أوجلان عبر المؤامرة التي تمت بعد دراسة ومتابعة حثيثة في الخامس عشر من شباط عام 1999 كانت محاولة آنذاك لفك الترابط بين ما طرحه أوجلان والحالة الجماهيرية التي ساندت تلك الرؤى والتحمت مع أطروحات أوجلان في الحل والديمقراطية، لم تستطع القوى المساهمة في المؤامرة على عموم الشعوب في المنطقة عبر شخص القائد أوجلان من خلق حالة الفصل التي تم ذكرها لا، بل ازداد التعمق والترابط بين القائد والشعب من كافة أطياف ومكونات المنطقة وبخاصة في ظل الأطروحات التي قدمها وهو بحالته المعزولة للبدء بإجراء الحل الديمقراطي وفق مشروع الأمة الديمقراطية ونظرية العيش المشترك عبر العودة إلى الجذور الأروكولوجية التي تربط الشعوب ببعضها البعض والتي ابتعدت عن بعضها بحكم تدخل الأنظمة والسلطات الخاصة بها عبر المراحل المتعاقبة. المؤامرة من حيث الحجم كانت كبيرة إلا إن الفشل خلق استياء كبير وبخاصة من قِبل تركيا التي بدأت بإجراءات الانتقام من خلال ما تم ممارسته ولا يزال بحق القائد عبد الله أوجلان في عزلته المفروضة عليه منذ ما يقارب العشرين عام في جزيرة إيمرالي، تعرض شعبنا منذ بداية فشل المؤامرة حتى الآن لشتى أنواع الهجمات بهدف تحييده عن المبادئ التي آمن بها والفكر الذي تطور لديه تحت قيادة القائد عبد الله أوجلان، اليوم ومع القرار الأمريكي برصد مكافآت مالية لمن يُدلي عن مكان ثلاثة من قادة حزب العمال الكردستاني وثوار حركة التحرر الكردستانية منذ ما يزيد عن أربعة عقود له جزء من المخطط نفسه الذي بدأ في نهايات عام 1998وحتى 15 شباط 1999، بمعنى إن التصنيف الأمريكي الذي تم بحق القادة الثلاث هو تناقض كبير في توجهات الإدارة الأمريكية لتحقيق الاستقرار في المنطقة من جهة ومن جهة أخرى تحول آخر نحو عدم التمييز بين الجهود التي يتم تقديمها بهدف ترسيخ الاستقرار والحل في المنطقة وبين ما يتم من جهود لخلق الفوضى.
ساهمت حركة التحرر الكردستانية وعبر المراحل التي طوّرت في ذاتها الكثير من الأمور لكي تكون استجابة للمراحل؛ على وجه الخصوص وبخاصة في موضوع الحرب على داعش وما قدمته الحركة في مناطق مخمور وكركوك وحتى مشارف هولير بالإضافة للجزء الأهم من النجاح في الحرب على داعش في العراق والذي تم في شنكال صيف عام 2014 كان تطوراً هاماً في حصر الإرهاب بمناطق معينة، عملية الحصر وإفشال المخطط على شنكال ساهم في الفترات اللاحقة الكثيرة في انهيارات ضخمة في صفوف داعش بمعنى استراتيجية شنكال وتوقيت الهجوم وحجمه كان مخططاً هدفه العراق وسوريا بشكل جدّي، حيث يمكن وصف ما قدمته حركة التحرر الكردستانية في الفترة آنذاك بمشاركة وتوجيهات القادة الثلاث بالانهيار التاريخي لداعش، القادة أنفسهم التي تريد أمريكا اليوم التعامل معهم لا، بل أرادت وفق النماذج الذي خرج من يوغسلافيا من أمثال سلوبودان ميزوفيليتش الذي تم محاكمته على إنه مطلوب ومجرم، بهذا القرار الذي تصدره أمريكا تدخل بنفسها في تفاصيل تبدو هي ذاتها غير مدركة لخصوصياتها من جانبين:
الأول إن هذا القرار هو ضد عموم الشعوب الموجودة في المنطقة وضد الكردستانيين دون استثناء، وضد الشعب الكردي وتضحياته الجِسام في تحقيق الحل والاستقرار في المنطقة، وضد منع تركيا من المزيد من الأدوار السلبية في المنطقة وأهمها في سوريا، وضد الحاجة الكبيرة للمنطقة بوجود توازن حقيقي في التعامل مع الواقع كما هو بحيث يتم التمييز فيه بين الكثير من التفاصيل وهذا بحد ذاته تطور آخر يُفسر النظرة الأمريكية لبعض المسائل وفق منظور سياسي متأثر بشكل كبير بالدولة التركية، أما الجانب الآخر فهو متعلق بشقه الكبير بموضوع العدالة في القرار بمعنى إن كان ولا بد من حصر ما يهدد الاستقرار في المنطقة وما يمكن أن يكون عائقاً أمام المصلحة الحقيقة لتحقيق الحلول التي يريدها العالم ومن بينهم أمريكا فالأفضل الإنصاف في التعاطي مع هذه المسائل بمعنى أوضح؛ هناك من هم ضالعون ومتهمون وعليهم دلائل قطعية جنائية وقضائية بدورهم في خرق القوانين والأنظمة المتعارف عليها عالمياً ولمواثيق وقرارات مجلس الأمن والتي أمريكا عضو فعال فيه، منهم مسؤولين أتراك بالدرجة الأولى وبالتحديد صيغ وأشكال الدعم المُقدم عبر تركيا للإرهاب في سوريا حيث الإرهاب في سوريا هو ملف المرحلة الآن، إضافة إلى ذلك هناك تجاوزات كبيرة وموثقة منها عمليات تجارية ودعم عسكري ومساهمة مقصودة ومشاركة حتى في قتل وإبادة المدنيين. وهنا لا نريد الربط بين القرار الأمريكي وما حدث في عفرين الأمور بشكل أو بآخر منفصلة عن بعضها. لكن؛ قانونياً ما حصل في عفرين يستحق قراراً أممياً وقراراً من مجلس الأمن وحتى من المحاكم والجهات القضائية في العالم.
إن النضال الموجود في شمال سوريا هو جزء مُتمم لجهود كبيرة ساهمت كل الأجزاء الكردستانية وخاصة من باكور كردستان بالتحديد في المرحلة الفاصلة في معركة كوباني وكذلك النضال الذي تم ضد داعش في أي مكان هو جهود مساعدة ومتممة أيضاً للنضال الذي نقوده نحن في منطقتنا، هنا كل القوى التي تحارب الإرهاب وتحارب داعش تستحق ألا يتم إهانتها بقرار أو برصد مكافئة ضد قادتها لأن هذا التوجه يُضعِف التركيز على إنهاء الإرهاب قبل كل شيء.
مع صدور القرار الأمريكي؛ خرجت كل الشعوب مستنكرة ومنددة بالإجراء الأمريكي، القرار بجانبه السياسي لا يخدم أحداً سوى تركيا التي تريد من خلاله تمرير مخططاتها وحربها ضد القوى الديمقراطية والقوى التي تحارب الإرهاب بشكل عام حتى أمريكا ذاتها فإنها مستهدفة؛ بحكم مساهمتها في علمية القضاء على داعش، تبقى حركة التحرر ذات ميراث كبير في تاريخ وفكر ووجدان عموم الشعوب وهي تُمثل قيم كل الشعوب في الوقت ذاته بنضالها من أجل الحرية والديمقراطية، بقرارات كهذه؛ تتوضح جوانب سياسية أكثر من الغاية التي يتم طرحها على إنها السبب في القرار وهذا تداخل للأمور وتعقيد لا أكثر، فمن يناضل لعقود كثيرة من أجل شعبه وغيره من الشعوب يتحول لرمز، وهنا المساس بأي شكل هو مساس بالشعب وفي طبيعة الحال الشعوب لها القدرة على الدفاع عمن دافع ويدافع عن حقوقها دون إفراط أبداً .